تونس | في أول مؤتمر صحافي له بعد توليه رئاسة الحكومة التونسية، أكّد علي العريض، أمس، أنّ الدولة لن تصمت ولن تتخلى عن مواجهة المتشددين دينياً، الذين يعملون على تهديد السلم الأهلي وتخريب الاقتصاد واستهداف الحريات الخاصة وطبيعة المجتمع التونسي المعتدل والمتسامح والوسطي. تصريحات جاءت متناسقة مع تصريحه في العاصمة القطرية الدوحة، منذ أيام، الذي أعلن فيه الحرب على الجهاديين. وقال العريض إنه لا تفاوض مع الذين يهددون سلطة الدولة ويرفضون الاعتراف والامتثال للقوانين التي تنظم الحياة السياسية في البلاد. وأشار الى أنه لم يبق كثير من الوقت أمام المتشددين دينياً لتسليم أنفسهم إلى قوات الأمن وإدانة الإرهاب. وشدد على أن الدولة لن تتسامح مطلقاً مع الذين يمارسون العنف أو يدعمونه أو يحرضون عليه أو يمولونه. ولم ينس العريض أن يشير أيضاً إلى أن الحكومة لن تتسامح كذلك مع الذين يقطعون الطرقات ويمنعون العمال من الالتحاق بمواقع العمل، وفي هذا إشارة إلى القوى اليسارية والنقابية، وخصوصاً في منطقة الحوض المنجمي في الوسط الغربي للبلاد. وقلل من خطر الانهيار الاقتصادي أو ارتفاع حجم التداين الخارجي. كان للصحافيين حصة من خطاب العريض، حيث دان أداءهم، الذي يحرض بجزء كبير منه على التمرد على الدولة، على حدّ قوله، من خلال التغطية الانتقائية للأحداث.
المؤتمر الصحافي جاء في مرحلة دقيقة تمر بها تونس، حيث كانت «الحدث الأسود» أحد تجلياتها السلبية، إذ انهار موسم السياحة الذي كانت تعول عليه تونس لإنعاش اقتصادها. وكان العنف الذي تفجر في الشعانبي وفي منطقة حي التضامن الشعبية بين الدولة والمجموعات السلفية المتطرفة، وراء إلغاء آلاف الحجوزات لكبرى وكالات الأسفار. فيما زادت القنوات التلفزيونية الفرنسية تعميق أزمة السياحة التونسية من خلال تقارير بثتها قناتا فرنسا ٢ و٣، صورت تونس كأنها أقرب إلى أفغانستان.
ويشغل القطاع السياحي حوالى مليون تونسي، متصدراً بذلك كل القطاعات الأخرى، لكنه عرف تراجعاً غير مسبوق، وخصوصاً مع صعود الإسلاميين إلى الحكم. وتأتي أزمة الحجوزات في وقت تحاول فيه تونس الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يمكنها من صرف ١٥٠ مليون دولار في شهر حزيران، إضافة الى ٦٠٠ مليون دولار أواخر السنة. ويرى الخبراء الاقتصاديون أن هذا القرض سيعمق الأزمة الاقتصادية، في الوقت الذي أكد فيه محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، أن الوضع المالي للبلاد لم يصل إلى مرحلة الكارثة.
وكان وزير المالية إلياس الفخفاخ، قد أعلن قبل أيام أن حجم الدين العام وصل إلى ٤٦ في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً حسب الخبراء، يمكن أن تقود البلاد إلى الإفلاس. الأزمة الأمنية والاقتصادية لها ضلع ثالث وهو الأزمة السياسة، حيث تُثار العديد من التساؤلات حول الانتخابات المرتقبة، وخصوصاً في ظل غياب التوافق حول الدستور، وهو ما يجعل من تنظيم الانتخابات خلال العام الجاري شيئاً شبه مستحيل، وبالتالي لن تكون الانتخابات قبل ربيع ٢٠١٤. وهو ما سينعكس بدوره على الاقتصاد والأمن. وتفاقمت الأزمة السياسية يوم أمس مع إعلان المحامين الإضراب لأول مرّة في كامل جهات البلاد، احتجاجاً على القضاة. ورأت عمادة المحامين أن هذا الإضراب «نصرة لكرامة المحامي»، فيما رأت جمعية القضاة التونسيين أن الاعتداءات التي أصابت القضاة من قبل محامين تمس بهيبة القضاء والقضاة، وذلك على خلفية التوتر الذي سُجّل منذ أيام في محكمة باجة في الشمال الغربي للبلاد.
الوضع العام المتأزم دفع الشارع التونسي، وخصوصاً الفئات المهمشة، الى الحنين لزمن الرئيس المخلوع بن علي. توجّه تجلّى أكثر مع تقبّل الرأي العام حضور صور بن علي في القنوات الخاصة، وهو أمر لم يكن موجوداً خلال الأشهر الأولى للثورة. يحدث هذا في ظل عودة لافتة لأنصار الحركة الدستورية. مؤشرات تدل على فشل حقيقي للحكام الجدد من الأحزاب الثلاثة الحاكمة في إدارة شؤون الدولة.