مدينة القصير وريفها في قبضة الجيش السوري قريباً. هذه هي الخلاصة التي يمكن أن يصل إليها من يتواصل مع مصادر كل من الجيش السوري والمعارضة، وخصوصاً مسلحي القصير. انهار جزء كبير من تحصينات المسلّحين في معقل المعارضة، وسقط سيناريوا غروزني وبابا عمرو اللذان رُوّج لهما طوال أسابيع. لم تُسعف التحصينات والخنادق التي حُكي عنها «ثوّار القصير». ساعات قليلة، تمكّن خلالها الجيش السوري من الوصول إلى ساحة المدينة. اشتعلت جبهات عدة دفعة واحدة، فقُتل، حتى الآن، نحو تسعين مسلّحاً وُجرح المئات، بحسب ما أكّدت مصادر المعارضة من داخل القصير لـ«الأخبار». لكن المعركة لم تنته بعد. يُحكى عن «أيّام» تفصل عن الحسم. هذا ما تُرجّحه مصادر النظام، أمّا المعارضون، فأيقنوا أنّهم خسروا المعركة: «سلّمنا أمرنا لله».
بدأت المعركة في منطقة القصير منذ أكثر من شهر. وبعدما سيطر الجيش على معظم قرى ريف القصير الغربي والجنوبي، وجزء من الشمالي، حُصِر المسلحون داخل المدينة، وفي بلدات عرجون والحميدية (شمال غرب المدينة) والضبعة ومطار الضبعة والبويضة الشرقية (شمال). خرق مسلّحو المعارضة الحصار بواسطة معبر سرّي يؤدي إلى جوسيه وجبال القلمون جنوباً. مكّنت هذه «الفتحة» عدداً من قادة المعارضة من الخروج، قبل أن تسدّها قوات النظام وتزرعها بالألغام والكمائن. وبحسب ما أدلى به معارضون من القصير لـ«الأخبار»، فقد «افتُضح أمر المعبر السّري بعد وشاية أحد المخبرين»، متحدّثين عن «كمائن» استهدفت المجموعات الفارّة أسفرت عن سقوط قرابة ثلاثين شخصاً بين قتيل وجريح. حصل ذلك منذ قرابة أسبوع. ومذّاك، أُحكم الخناق على القصير فعلياً. كان ذلك تمهيداً لاقتحام المنطقة المحصّنة. وعُزّز بغارات كثيفة وقصف جوي عنيف. أما نقطة التحوّل في مسار المعركة، فكانت قبل ستة أيام. عندما أحكم الجيش السيطرة على منطقة التل الاستراتيجية. هنا تحدّث المعارضون عن «خيانة قادة بيننا باعوا التل لحزب الله ثم هربوا»، علماً بأنّ هذه النقطة تشرف على كل من القصير والهرمل. وقد أشار هؤلاء إلى أنّ «الخيانة» أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف كتيبتي الفاروق والوادي السلفيتين اللتين حاولتا الثبات في الموقع. وتلفت مصادر المسلحين إلى أن جميع العناصر الذين كانوا في الموقع المذكور قُتلوا. وفي هذا السياق، يشير مقاتلون الى خيانة القيادي الميداني أ. س، الذي عُدّ لفترة القائد العسكري لمنطقة القصير. ويقول مسلّحون في المعارضة ممن ثبتوا في القصير إن قياداتهم باعتهم وهربت. وأُشير الى أنّ كلاً من أ. ج. ح. الذي قاد كتيبة الفاروق ورعد المعروف بـ«أبو دياب» وع. ح. أمير كتيبة الوادي، انسحبوا من القصير عبر المعبر السرّي بمساعدة شخص لبناني موال للنظام (تلقى أموالاً من المنسحبين، بحسب أحد مقاتلي المعارضة) «من دون أن يأبهوا لمصير عناصرهم».
بدأ الهجوم فجر أمس، فشُقّت المنطقة نصفين. وعمدت القوّات المهاجمة إلى تقسيم ساحة المعركة إلى ستة مربعات نار هدفت إلى فصل المجموعات المسلّحة عن بعضها البعض لتفكيك تلاحمها وإضعافها. ترافق ذلك مع كثافة في الإسناد الناري والقصف الصاروخي. وسبق ذلك على مدى الأيام الماضية قصف صاروخي وغارات جوية استهدفت نقاطاً مُحددة في القصير. العمليات العسكرية هذه سبقتها «حربٌ معنوية». وخلال الأيام الماضية، كانت المعارضة المسلّحة تتحدّث عن حشد «حزب الله» عدّة آلاف من المقاتلين. وذهب بعضهم إلى الحديث عن «حشود مخيفة» بلغت عشرين ألف مسلّح، بحسب ما نشرت مواقع المعارضة السورية على شبكة الإنترنت. كل ذلك ساهم في انهيار معنويات مسلّحي المعارضة. أما الضربة الأولى فجر أمس، فقد حار المعارضون في تحديدها. تحدّثوا عن «مباغتة قصمت ظهرنا». وقال أحد قياديي المعارضة لـ«الأخبار»: «حشدنا قواتنا في الشمال لصدّ هجوم الجيش السوري وقوات حزب الله، لكننا فوجئنا بهم من الجنوب والغرب والشرق». كان المعارضون يتوقعون أن يسبق هجوم الجيش السوري على القصير هجوماً على القرى التي لا تزال تحت سيطرتهم و(خصوصاً عرجون والضبعة). وقال مسلّح معارض إن «الهجوم البرّي بدأ من القرى الشيعية في غربي العاصي»، مشيراً إلى أن «مجموعات حزب الله نزلت علينا من منطقة التل بعد سيطرتها عليها وبعدما صارت القصير مكشوفة أمامها». وقال آخر إن «الهجوم حصل من عدة جهات»، مشيراً إلى أن «قوات النظام أتت من الجنوب وجاء مقاتلو حزب الله من الشمال». وعزا هؤلاء سرعة تقدم الجيش إلى «الخيانة والنفوس الضعيفة التي باعتنا لحزب الله، مقابل دراهم بخسة». كما تحدّث المعارضون المتحصّنون في القصير عن تعرض مشاف ميدانية للقصف، فصار «كل جريح لدينا قتيلاً». وإلى الخيانة، عزا أحد هؤلاء هزال المقاومة في بعض المحاور إلى الحصار المستمر منذ أسابيع، ما تسبب بنقص شديد في جميع مقومات الحياة.
وفي ما يتعلق بسير المعارك الحالي، علمت «الأخبار» أن اشتباكات عنيفة تحتدم في شمال شرق القصير. وأكّدت مصادر مسلحي المعارضة أن «هناك مجموعة لبنانية مسلّحة، عناصرها من البقاع الغربي والشمال اللبناني، محاصرة في القصير»، مشيرين إلى أن هذه المجموعة دخلت عبر عرسال، لكن لم يعد باستطاعتها الانسحاب. وفوق ذلك، تحدث هؤلاء عن صدامات في صفوف المعارضة نفسها. ولا سيّما بعد تسليم عدد من المناطق الاستراتيجية من دون مقاومة، كالتل وتل الشور، باستثناء منطقة آبل التي شهدت معركة قبل أن يسيطر عليها الجيش.
منذ سنتين، بدأ مسلّحو المعارضة السورية حشد قواهم. أقاموا التحصينات وحفروا الخنادق والمتاريس. كل من كنت تقابله في كتائب المعارضة السورية المسلّحة الناشطة هناك، كان يتوعّد الجيش السوري بمصير شبيه بمصير الجيش الأميركي في فيتنام. أما عن عديد المسلّحين المتحصّنين هناك، فكانت تتفاوت التقديرات بحسب مصادرها، لكنها حُصرت بين ستة آلاف مقاتل وعشرة آلاف. هذه كانت تقديرات المعارضة في الفترة الأولى، لكنّها انخفضت مؤخراً إلى نحو أربعة آلاف مقاتل. أما الترجيحات الأمنية، بحسب مصادر في الجيش السوري، فأكّدت أنّ عديد المسلّحين هناك لا يتجاوز الألفي مقاتل. وأيضاً، انخفض العدد، بحسب تقديرات المقاتلين الميدانيين الموالين للنظام، الى «ألف مسلّح في أحسن الأحوال، أما الباقون ففرّوا أو ألقوا سلاحهم».