حسناً، أصبح جميع إخوتي أجانب. بقيت أنا الفلسطيني الوحيد بينهم. من المفترض أن يذهب شقيقي الأصغر رامي الى كندا نهاية الشهر ليحصل على إقامة دائمة، على أن يأخذ الجنسية الكندية بعد فترة. أشقائي الأكبر مني أميركيون منذ أكثر من عشر سنوات. هوياتهم الثانية ستكون طريق عبورهم الى حياة أفضل. حياة فيها كرامة حقيقية غير تلك التي تحاول الأونروا إقناعنا بها. كرامة لا يحصل عليها الفلسطينيون في لبنان أو الفلسطينيون النازحون من سوريا.
فإذا كانت الأونروا تنوي فعلياً توزيع الكرامة على الجميع، كما يقول الشعار الذي رسمته على جدار الفاصل الذي يحيط مقرها في بئر حسن، فإن النازحين من مخيمات سوريا يقبعون على بابها منذ قرابة شهرين، وهم أولى بالكرامة التي تعدنا بها الأونروا. المهم، إخوتي أجانب، البطاقات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين الزرقاء لن تنفعهم بشيء بعد الآن. أما بطاقة الإعاشة، التي لا تقدم ولا تؤخر بالمناسبة، فلن يستفيد منها أحد سواي. أن تكون فلسطينياً بين «قرطة» إخوة «أجانب» أمر غريب. تخيّل أن يكون جميع أولاد إخوتك من مختلف جنسيات الأرض، بينما أولادك لاجئون. بالطبع، الأمر ليس حكراً على العائلات الفلسطينية المشتتة في أصقاع الأرض. هذه الحالة قد تجدها في كل بيت. لكن تكمن المشكلة في أن جزءاً من معركتنا مع العدو هو عبارة عن الوعي. من الضروري التذكر دائماً أننا لاجئون وأننا أصحاب أرض يجب العودة إليها. فإذا نسينا هذا الجزء من الصراع، سيصبح سهلاً على عدو محتال مثل عدونا أن ينسينا حقنا في أرضنا التي هجّر منها آباؤنا وأجدادنا. المهم الآن، أنا الفلسطيني الوحيد المتبقي في العائلة. لا أعرف ما هي الامتيازات التي سأحصل عليها إن بقيت لاجئاً، وأنا أؤكد لكم ليس هناك امتياز واحد بكونك موجوداً في غير وطنك. إذاً، ما المانع في الحصول على جنسية أخرى غير بطاقة اللاجئ التي أحملها؟ لنفترض أنني حصلت على جنسية بلد آخر، هل أكون بذلك أساهم بالتوطين؟ صراحة، لا أعرف الأجوبة عن هذه الأسئلة. إذ في المقابل هناك أسئلة أخرى، مثل: ما المانع من الحصول على أي جنسية؟ هل سيعني ذلك أنني لن أحب فلسطين بعد الآن؟ ولماذا مثلاً أقبل الحصول على جنسية أجنبية وأرفض اللبنانية لأنني أعتبرها أنها ستساهم في التوطين. أيضاً أسئلة لا أعرف الإجابة عنها.
ربما أفضّل الجنسية الأجنبية لأنها ستؤمن لي واقعاً معيشياً أفضل. حينها ستضطر الدولة اللبنانية الى أن تنظر لي وتعاملني باحترام. حينها أيضاً، لن يجرؤ أي عنصر من قوى الأمن الداخلي على القول لي «شو عم تعمل هون» لأنني في «الشرقية». وكأنه ممنوع على الفلسطيني الخروج من الزاروبين اللذين يعيش فيهما. كل ما قيل الآن مجرد أفكار عابرة تضرب مخّي من فترة لفترة. على أرض الواقع، إخوتي أجانب يملكون بطاقات هوية إلكترونية، فيها شريحة تدل الأقمار الاصطناعية على أمكنتهم في حال حدوث أي خلل أمني. أما أنا، فإن الدولة اللبنانية لا تزال مصرة على الهوية الزرقاء الكرتونية. هوية لا تزال أمي اللبنانية مصرة بدورها على غسلها كل مرة. وكأنها تريد الانتقام من اللجوء الذي سببته لي، وهي التي تصر عليّ دائماً للسفر الى الخارج وتأمين مستقبل أفضل لي، بلا هذه «الحركات» كلها. للصراحة، أخاف أن أكتشف أن تكون أمي على حق لكن بعد فوات الأوان.