«السفير الإسرائيلي غادر عمّان لتلقّي التعازي بوالده، ولم يتلق توبيخاً من الحكومة الأردنية احتجاجاً على انتهاكات المستوطنين للحرم المقدسي»، هذه العبارة لم تقتطع من عرض مسرحي كوميدي، بل نشرتها مواقع إلكترونية أردنية، الخميس، نقلاً عن أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين.
العلاقة الأردنية الإسرائيلية لا يمكن اختزالها بالتمثيل الدبلوماسي، وقد تبادل الطرفان خلال السنوات القليلة الماضية حرداً «مؤقتاً» على مستوى السفراء، وظل التنسيق الأمني قائماً على مدار الساعة، وعلاوة على ذلك لا يمكن إغفال المعطيات الإقليمية التي يشير إليها تقرير صحيفة «واشنطن بوست»، عقب زيارة عبد الله الثاني الأخيرة للولايات المتحدة، ويتحدث عن أهمية دعم الكيان الإسرائيلي والسعودية للنظام الأردني، في إطار خطة طوارئ أميركية وضعت تحسباً لتهديدات حقيقية تتعرض لها المملكة. ويؤكد التقرير أن استقرار الأردن يمثّل مصلحة إسرائيلية عليا، وهو حديث يتطابق مع ما سمعه الملك على لسان قادة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) في أثناء اجتماعه الأخير بهم في واشنطن.
المبالغة في تقدير قرار طرد السفير الإسرائيلي، الذي أجمع عليه أعضاء مجلس النواب، تُعَدّ تعمية متقصدة على جملة اشتراطات تتعلق بالشأن الداخلي والسياسة الخارجية لبلد لم تنقطع علاقاته مع جاره المحتل، حتى قبل توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994 المشؤومة، ولم ينكرها الملك حسين يوماً.
تحرك البرلمان لم يكن إلا استجابة لرغبة النظام الأردني في تصعيد مدروس ومبرمج مع الجانب الإسرائيلي، وهو اليوم يبدو بأمسّ الحاجة إليه، ليس بسبب قدرة حليفه على احتمال مواقف تهدف إلى تنفيس الاحتقان الشعبي – وقد قام الأردن بمثلها أيام العدوان على غزة 2008– بل تجيء نتيجة عجز واضح وجليّ في السياسة الخارجية الأردنية تجاه ملفات المنطقة كاملةً.
من جهة أخرى، إن الحديث عن تضامن نخب داخل الدولة الأردنية مع النظام السوري لا يتعدى كونه خطاباً تسويقياً تضطره حاجات البعض، بالنظر إلى رضوخ الأردن لأوامر سعودية عديدة تتعلق بإرسال السلاح والمسلحين إلى سوريا، وفي مقدمتهم جبهة النصرة، التي تحاول عمّان والرياض اليوم التحذير من خطر وجودها، والبحث عن بديل لها. كذلك إن صمت الأردن الرسمي عن إدانة الضربة الإسرائيلية الأخيرة لدمشق ليس موقفاً عابراً، بل يعبّر عن مصالح سياسية لا يمكن تخطيها.
في الوقت نفسه، تشير بعض التسريبات غير المؤكدة إلى إطلاع الملك خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة على خطط أميركية تتعلق بضربات إسرائيلية على سوريا، ورغم تمنيات الأردن بقرب حلّ سياسي للأزمة السورية، لكن علاقاته الاستراتيجية بواشنطن والرياض وتل أبيب تحتل موقع الصدارة، وتفرض عليه سلوكه السياسي. ويجدر في هذا السياق نقاش الهواجس الأردنية المتصلة بتنامي قوة الإخوان المسلمين في حال سقوط دمشق، وهي مخاوف تجعل عمّان أكثر اقتراباً من محور أميركي سعودي إسرائيلي، إذ إن بنية النظام وتحالفاته التاريخية لا تخلق أي فرصة للتقارب مع النظام السوري أو غيره. المعارك الوهمية التي يخوضها البرلمان وجوقة من الكتّاب والناشطين جزء من حملة الترويج للسلطة، وتعبّر عن تفكير رغائبي تدحضه مؤشرات متعددة، أولها: ارتباط مجلس النواب بالأجهزة الأمنية والقصر وعدم قدرته على تبني موقف مستقل ذي صلة بالسياسة الخارجية أو مكافحة الفساد أو بمواجهة النهج الاقتصادي والتبعية لصندوق النقد الدولي. وبناءً عليه، لن يتمكن مجلس كهذا من تجميد اتفاقية وادي عربة، وإن ادعى بعض نوابه ذلك. ثانياً: العلاقة مع إسرائيل لا تحددها الاتفاقيات، بل هي علاقة عضوية تؤدي أدواراً وظيفية منذ عقود مديدة.
السفير الإسرائيلي سيمضى فترة استراحة في تل أبيب، ويعود قريباً، ما لم يتطور التصعيد المدروس بسبب تواصل انتهاكات الاحتلال، وحينها قد يتطلب الأمر الذهاب إلى مجلس الأمن، كما صرّح رئيس الوزراء الأردني، لعلنا نحصل على قرار دولي لن تلتزمه إسرائيل حتماً.