رسائل تحذير سياسية جديدة من تل أبيب وواشنطن بامكانية مهاجمة إسرائيل لأهداف في سوريا. هذه الرسائل فسرتها جهات إسرائيلية بأنّها قد تكون على خلفية معلومات استخبارية معينة، وأخرى اعلامية ربطت بينها وبين استهداف مرصد جبل الشيخ، قبل يومين. كما ذكرت «نيويورك تايمز» أنّ رسائل التحذير الإسرائيلية غامضة وقد تكون تهدف إلى كبح السلوك السوري لتجنب القيام بعمل عسكري إضافي، أو تهدف إلى تحذير دول أخرى من هجمة عسكرية أخرى، وهو ما قد يزيد من التوتر في الوضع المشحون أساساً في سوريا. ونقلت الصحيفة الأميركية عن محللين قولهم إنه قد يكون هناك جمهور ثانوي لهذا التحذير داخل حزب الله وداعمه إيران.
بموازاة ذلك، رأى العديد من المعلقين والخبراء أنّ من الصعوبة الفصل بين الرسائل الأميركية والإسرائيلية وبين نتائج زيارة نتنياهو إلى موسكو، التي وصفتها مصادر إسرائيلية بالفاشلة. احتل التهديد الصادر عن مسؤول إسرائيلي رفيع، عبر صحيفة «نيويورك تايمز»، باسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في حال ردّ على الغارات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي السورية، محور اهتمامات العديد من المعلقين في إسرائيل. كما أكد المراسل السياسي للصحيفة الأميركية، مارك لندلر، أنّ المسؤول الإسرائيلي اتصل بنفسه بالصحيفة وأبلغه مضمون الرسالة، مؤكداً أن إسرائيل تفكّر بمهاجمة سوريا مرات أخرى، في حال نقل الوسائل القتالية المتطورة إلى حزب الله. وأضاف المسؤول الإسرائيلي أنّ نقل مثل هذا السلاح سيؤدي إلى «تقويض الاستقرار في المنطقة، وإذا ردّ الأسد وهاجم إسرائيل أو حاول ذلك عبر منظمات ارهابية تعمل بتكليف منه، فإنه يخاطر بمصير نظامه لأن إسرائيل سترد».
ونقلت الصحيفة عن المصدر الإسرائيلي، قوله إنّ إسرائيل «امتنعت حتى الآن عن التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، وهي ستواصل الحفاظ على هذه السياسة طالما امتنع الأسد عن مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر».
في المقابل، قدّر معلق الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس» أنّ وراء الرسالة الاستثنائية دافعين محتملين «إما تلطيف حدة السلوك الاشكالي للنظام السوري دون الاضطرار إلى عملية عسكرية إضافية، أو أن الحديث يدور عن تهيئة الأرضية لهجوم آخر». لكن مدير معهد أبحاث الأمن القومي، والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، اللواء عاموس يادلين، رأى أن توقيت التحذير قد يكون مرتبطاً بتلقي إسرائيل معلومات استخبارية حول أمر ما تريد الحؤول دون وقوعه، مضيفاً أن هذا الأمر قد يكون عبارة عن نوايا سورية بالردّ، ولو في وقتٍ متأخّر، على الهجمات الجوية الحديثة على أراضيها، أو قد يكون عبارة عن شحنات أسلحة وشيكة يتلقّاها حزب الله، أو إشارات تدلّ على عملٍ ما تعدّ له مجموعات بالنيابة عن سوريا في مرتفعات الجولان.
ورأى يادلين، أيضاً، أنّ روسيا قد تكون هي المعنية الأخرى بالرسائل، خاصة وأنّ اثنتين من المنظومات التي حددتها إسرائيل على أنها «أسلحة تتخطى الخطوط الحمراء» وتغيّر قواعد اللعبة، هي روسية سواء «س. إي 17» (SA-17) المضادّ للطائرات، أو صواريخ ساحل ــ بحر «ياخونت». بدوره، رأى المعلق العسكري في موقع «واللاه» العبري، أمير بوحبوط، أنّ الرسالة التي وجهها مصدر سياسي عبر «نيويورك تايمز»، لم تصممها المؤسسة الأمنية، وإنما صادرة عن المستوى السياسي بعد زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى روسيا. وهي ليست موجهة فقط إلى الأسد وروسيا، وإنما أيضاً لسكان إسرائيل، خاصة سكان المنطقة الشمالية الذين شاهدوا الجيش الإسرائيلي مرتبكاً ولا يعرف بالضرورة كيفية الردّ على الهجوم الذي استهدف موقع الرصد في جبل الشيخ التي تسمى «عيون الدولة». خاصة وأنه ليس لدى إسرائيل الوفرة التكنولوجية التي تتباهى بها في غزة أو في الجولان حتى تعرف من أين خرجت قذائف الهاون. حول ذلك، لفت بوحبوط إلى أنهم في الجيش يقدرون بأن النظام السوري بات متحمساً من الفتور، الذي أظهره الرئيس فلاديمير بوتين حيال نتنياهو، أثناء زيارته الأخيرة، وأن هذا الشعور أدى إلى أن يبادر نظام الأسد باستهداف جبل الحرمون، الذي دفع المؤسسة الأمنية إلى اغلاقه أمام المتنزهين، وبعد ذلك السماح بفتحه جزئياً. ورأى بوحبوط أن الهجوم هدف إلى توجيه رسالة إلى إسرائيل بأنّ سوريا لن تسلم بسلسلة الهجمات على أراضيها بدون رد.
في المقابل، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أنّ الرسالة القاطعة التي وجهها مسؤول رفيع إلى سوريا عبر صحيفة «نيويورك تايمز»، تنطوي على مبالغة طفيفة إن لم نقل زائدة، وأن التهديد الإسرائيلي بالرد باسقاط الأسد، إذا ما استقر رأيه بالرد على إسرائيل، لا يتناسب حتى الآن مع الأحداث على الأرض. وأضاف أنّ حادثة جبل الشيخ قد تكون غير متعمدة كما حصل في مرات سابقة، لكن هرئيل تجاوز حقيقة أنها المرة الأولى التي تصل فيها قذائف صاروخية إلى هذه المنطقة كما لفت موقع «يديعوت أحرونوت» الالكتروني أول من أمس.
واعتبر هرئيل أنّ المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية لا تشير إلى نوايا فورية لدى الأسد وحلفائه بتنفيذ تهديداتهم وفتح جبهة ضد إسرائيل في الجولان، وأن الرسالة الإسرائيلية موجهة إلى روسيا بهدف منعها من تزويد سوريا بصواريخ مضادة للطائرات من طراز «اس 300»، مشيراً إلى أن الطريق من هنا إلى اسقاط الأسد ما زال طويلاً. ولفت، أيضاً، إلى أنّ إسرائيل ليس لديها أي اهتمام حقيقي بدخول دوامة الحرب التي تدور داخل سوريا. وأكد أن إسرائيل قد تبادر إلى الهجوم في حال لم يكن هناك مخرج آخر، لكنه سيكون مقروناً بمخاطرة كبيرة بنشوب حرب حقيقية بين إسرائيل وسوريا قد تتضرر فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل قاس.
في الاطار نفسه، لفتت صحيفة «معاريف» إلى أنّ إسرائيل لا تريد استمرار حكم الأسد، لكنها تخشى البدائل، بينما روسيا تريد أن يكون الأسد جزءاً من الحل السياسي في الدولة، في المرحلة الأولى على الأقل. وأضافت أنّ هذا الموقف الإسرائيلي ينسجم مع حقيقة وجود خلاف في إسرائيل حول تحديد الأولويات، بين من يرى أن على إسرائيل أن تتبنى أولوية وقف البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي فإن سقوط الأسد يخدم هذا الهدف لأنه يؤدي إلى تحطيم محور الشر، إيران وسوريا وحزب الله. في حين ترى جهات أخرى أنّ مرحلة ما بعد الأسد باتت في المرحلة الأخيرة، الأكثر اقلاقاً، وقد يكون نتنياهو يتبنى هذا الموقف بحسب «معاريف».
إلى ذلك، قالت «معاريف» إنّ هناك خشية إسرائيلية من تفكك قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة على الحدود مع لبنان وسوريا. وبحسب الصحيفة، فإن بعض الدول المشاركة في هذه القوات تدرس في هذه الأيام سحب جنودها، وقد يصدر قرار بهذا الشأن «في أية لحظة» في ظل الخوف على حياة الجنود.
ويتطلب سحب قوات «أندوف» موافقة قيادتها المركزية الموجودة في نيويورك، كما يتطلب سحب «اليونيفيل» قراراً من هيئة الأمم المتحدة. إلا أنه بالرغم من ذلك، فإن كل دولة مشاركة في القوتين لها الحق في سحب جنودها بقرار مستقل ومن دون العودة إلى الأمم المتحدة.
وحتى الآن، سحب كل من اليابان وكندا جنودهما الذين كانوا في عداد قوة «أندوف» على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها القوة من المسلحين السوريين. كما تلوّح أستراليا والفيليبين بسحب قواتهما المشاركة في كل من «أندوف» و«يونيفيل»، وكذلك تفعل النمسا التي تبحث سحب الجنود الـ377 التابعين لها «لدواع أمنية وسياسية ودبلوماسية». ووفقاً للصحيفة، فإن النمسا التي ترفض تسيلح الغرب للمعارضة السورية بسبب الخشية من أن يوجه هذا السلاح في نهاية المطاف ضد قوات حفظ السلام، هددت بأنه في حال اتخاذ الدول الغربية قراراً بالتسليح فإنها ستعيد جنودها فوراً من الجولان. وتعدّ قوات «أندوف» المرابطة في الجولان منذ عام 1974 نحو ألف جندي يتوزعون على كتيبتين، الأولى بقيادة أستراليا وتضم جنوداً كرواتيين، والثانية بقيادة الفيليبين.
وبالتوازي مع هذه الأجواء، وصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جون برينان مساء أمس الى اسرائيل في زيارة غير معلنة تتناول خصوصا الازمة في سوريا، وفق ما افاد مصدر رسمي اسرائيلي. والتقى برينان فور وصوله وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون في تل ابيب بحسب المصدر نفسه.
وشملت المحادثات تبادلا للمعلومات الاستخبارية بشأن الوضع في سوريا. وخلال اللقاء، جدد يعالون التأكيد ان اسرائيل «لن تسمح بنقل اسلحة» من سوريا خصوصا اسلحة كيميائية، الى حزب الله، بحسب ما افادت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي.