القاهرة | أهم ما يلفت النظر في أزمة اختطاف سبعة جنود مصريين، ليس تكرار عمليات العنف ضدّ ممثلي الدولة في سيناء المكتظة بالجماعات الجهادية والتكفيرية، بل ردّ فعل الدولة المصرية نفسها على هذا التحدّي؛ فللوهلة الأولى، تبدو الدولة كأنها تفضل استئناف صراعاتها الداخليه التقليدية، وخصوصاً بين مؤسساتها الأمنية، عبر استغلال هذا التهديد. وفيما اتجه الجيش إلى طلب وساطة بدو سيناء في التفاوض مع الخاطفين، كما أكّد المتحدث العسكري باسم الجيش أحمد علي، في مقابل عدم ملاحقتهم أمنياً، وهي خطوة اعتبرها «استمراراً لنهج وزارة الدفاع في محاولة حقن الدماء في سيناء، في ظل الانفلات الأمني الحالي، الذي بدأ بعد لجوء أعضاء الجماعات التكفيرية والجهادية الهاربين من السجون الى سيناء، التي خلت فجأة من الشرطة أثناء أحداث فتح السجون في الأيام الأولى للثورة»، قال مدير أمن سيناء، سميح بشادي، لـ«الأخبار»، إن وزارة الداخلية ليست جزءاً من هذا التفاوض، وإنها ستلاحق الجناة وتحرّر الرهائن بعدما حددت هويتهم بالفعل، متوقعاً الإيقاع بهم خلال ساعات.
وكان بشادي صريحاً في حديثه بقوله إن وزارة الداخلية قرّرت عدم التنسيق مع وزارة الدفاع، ولم ينف أن يؤدي اختلاف توجه الطرفين إلى عرقلة محاولة إنهاء الأزمة وتحرير الجنود. وأقرّ مدير أمن سيناء بالخلاف بين المؤسستين، وخصوصاً في سيناء، قائلاً إن أحد الأسباب هو محاولة الجيش استمالة البدو، وتوقع أن تؤدي أزمة اختطاف الجنود إلى إطاحة وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي.
وعقب محيي نوح، المحلل العسكري والضابط المتقاعد من الجيش المصري، على هذا الخلاف بين المؤسستين في حديث إلى «الأخبار»، قائلاً إن «ملف سيناء في ما يتعلق بالذات بالتفاوض مع الجماعات الجهادية والتكفيرية هو في الأساس من اختصاص القوات المسلحة، ويفترض أن ترعى مؤسسة رئاسة الجمهورية هذا التنسيق بين تلك الجهات، بالإضافة إلى المخابرات العامة، كونها جميعاً أدوات تابعة لتلك المؤسسات. ومن هنا، تنبع أهمية اللقاء الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي بين الأطراف الثلاثة»، في إشارة إلى استدعاء الرئيس المصري وزيري الداخلية والدفاع ومدير المخابرات العامة في اجتماع عصر أمس.
وقال مصدر عسكري رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار»، إن الدافع وراء جريمة اختطاف الجنود هو الانتقام، إذ يعتقد الجُناة أن أحد أقربائهم أُصيب بالعمى من فرط التعذيب في السجون، ولذلك تتجه المفاوضات إلى إتاحة الاتصال بالسجين لطمأنة الجناة.
ولم ينف أحمد علي في حديث إلى «الأخبار» أيضاً «العلاقة الوثيقة» بين المؤسسة العسكرية وبدو سيناء، قائلاً إن تلك العلاقة تعدّ كنزاً استراتيجياً للجيش، وقال إنها أثمرت استعداداً دائماً من قبل البدو للوساطة في تلك الحالات واستغلال معرفتهم الوثيقة بأعضاء الجماعات الجهادية الذين ينحدرون من خلفية بدوية، دون أي مطالب في المقابل.
وفي حين قال الصحافي المتخصص في الشأن القضائي والأمني في صحيفة «الوطن» اليومية، وليد اسماعيل، إن البدو طالبوا في مقابل تلك الوساطة بالإفراج عن ذويهم السجناء والمحتجزين وتخفيف العقوبات عن بعضهم، نفى المتحدث العسكري أن يكون البدو قد طلبوا أي مكتسبات في مقابل خدماتهم.
وقال إن «الجناة اختطفوا الجنود بينما كانوا عائدين من إجازة إلى معسكرات الخدمة العسكرية والشرطية في سيناء بلا تسليح. فبينما كان الجنود يستقلون سيارات أجرة عند الواحدة صباحاً، أوقفها المتهمون تحت تهديد السلاح على بعد خمسة كيلومترات من مدينة العريش في اتجاه رفح على الحدود المصرية».
من جهة ثانية، قال مسعد أبو فجر، وهو ناشط سيناوي ومؤسس حركة «ودنا نعيش» المطلبية في سيناء قبل الثورة، إن المنطقة الواقعة بين العريش والنقب في سيناء تعد منطقة شبه محرمة على قوات الشرطة والجيش بسبب محاولة الجماعات الجهادية الدائمة إنهاء وجود الدولة هناك، «والشرطة بالذات وجودها هناك شبه منعدم».
وأوضح أبو فجر لـ«الأخبار» أن الطبقة السياسية في سيناء تعتبر حركة «حماس» مسؤولة عن أحداث العنف هناك، وهي تستخدم الجماعات الجهادية في صراعها مع الجيش، في حين يستخدم الأخير عملاءه ومخبريه من البدو. لكن البدو، بصورة عامة، يحاولون النأي بأنفسهم عن مساندة الجيش الذي يرونه في الموقف الأضعف في هذا الصراع في مواجهة جماعات العنف».
إلا أن أحمد علي رفض اتهام «حماس» في هذا السياق، مع أنه قال إن الفكر التكفيري والجهادي دخيل على الأفكار الرائجة بين أهالي سيناء، وإن منبعه هو الأنفاق مع غزة. في المقابل، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية المقالة بغزة وقف عبور الأفراد من الجانبين المصري والفلسطيني عبر الأنفاق الحدودية المنتشرة في جوف الأرض، بعد عملية خطف سبعة جنود مصريين. وقال المتحدث باسم الداخلية، إسلام شهوان، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن أنفاق الأفراد الحدودية أغلقت، إلا أن أنفاق البضائع لا تزال تعمل.
وعما إذا كانت هناك اتصالات أجرتها أجهزة الأمن المصرية مع داخلية الحكومة المقالة حول هذه القضية، قال شهوان إن ذلك لم يحدث حتى الآن، فيما جدّد تأكيد داخلية حركته على الجاهزية للتعاون مع الأمن المصري للمساعدة في كشف خيوط جريمة اختطاف الجنود.
وكانت داخلية «حماس» قد استنفرت أجهزتها الأمنية على طول الحدود وعلى الأنفاق لمنع وصول جريمة خطف الجنود إلى القطاع، وللقبض على المجرمين إذا ما حاولوا الوصول إلى القطاع. بدوره، نفى تنظيم «مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس» السلفي الجهادي في غزة أي علاقة له باختطاف الجنود المصريين.
وقال القيادي أبو قتادة المقدسي لوكالة «الأناضول» «مجاهدونا فى قطاع غزة لا علاقة لهم بحادثة اختطاف الجنود المصريين فى مدينة العريش المصرية». وأضاف «بعض وسائل الإعلام المصرية والعربية تروّج لوجود علاقة لمجاهدينا في غزة أو في سيناء بحادثة الاختطاف، وهذا لا أساس له من الصحة، والهدف من هذه الاتهامات هو تشويه صورة مجاهدينا وتصويرهم بأنهم إرهابيون». وأكد أن مقاتلي جماعته «لا يهدفون إلا إلى قتال أعداء الله اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين».