تونس | بداية الجولة الثانية من الحوار الوطني التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل لمواصلة الحوار حول الأولويات التي تشكل مواضيع خلافية بين الأحزاب التونسية لم تكن موفّقة، رغم التحاق حزبي النهضة والمؤتمر بها بعد رفضهما للجولة الأولى للحوار التي نظمها الاتحاد في شهر تشرين الأول الماضي. ولم يكن كافياً لنزع فتيل الاحتقان بين الأفرقاء السياسيين في تونس ارتفاع عدد المشاركين في الحوار والتحاق حزبين كانا محسوبين على النظام السابق (نداء تونس بزعامة الباجي قائد السبسي والمبادرة بزعامة كمال مرجان). فقد انسحب عدد من الناشطين، منهم أستاذ القانون في الجامعة التونسية رئيس شبكة « دستورنا»، جوهر بن مبارك، والأستاذة الجامعية رئيسة جمعية «كلنا تونس»، الطبيبة آمنة منيف، وعدد آخر من الحقوقيين احتجاجاً على خطاب الرئيس المنصف المرزوقي في افتتاح المؤتمر عندما دافع عن حق المنقّبات في اجتياز الامتحان من دون التخلي عن النقاب، وهو ما رفضته المحكمة الإدارية.
وقد اعتبر المنسحبون، الذين التحق بهم عدد كبير من أساتذة الجامعة وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي من الكتلة الديموقراطية المعارضة، أن الرئيس اختار التعدّي على قرارات القضاء ومغازلة السلفيين استعداداً للانتخابات المقبلة وتهديد المعارضة في حال واصلت «استخفافها» بالرئيس. ولم يقتصر الانسحاب على الحقوقيين فقط، بل انسحب أيضاً وفد حركة النهضة، وخاصة زعيمها راشد الغنوشي ورئيس كتلتها الصحبي عتيق، أثناء خطاب الأمين العام لحركة الوطنيين الديموقراطيين الذي لمّح فيه الى مسؤولية «النهضة» عن اغتيال زعيم الحركة شكري بلعيد، ومسؤوليتها عمّا انتهت اليه البلاد من أزمات. هذه البداية المتعثرة طغت على أشغال اليوم الأول من الحوار الوطني في مرحلته الثانية، بعد يوم واحد من الانتهاء من الحوار الذي دعا إليه الرئيس المرزوقي في قصر الضيافة في قرطاج، والذي تم خلاله التوصل الى ٨٠ في المئة من التوافقات حول النظام السياسي والدستور وتوزيع السلطات بين البرلمان ورئاستي الحكومة والجمهورية.
وقد انسحب كل حزب نداء تونس (أقوى أحزاب المعارضة حسب استطلاعات الرأي) من المؤتمر، فيما قاطعته الجبهة الشعبية (ائتلاف اليسار) وحزب المسار الاجتماعي الديموقراطي. ثلاثة أحزاب تعدّ من الأحزاب الرئيسية في المشهد السياسي.
أما سبب الاختلاف فكان حول رابطات حماية الثورة التي تدعو كل الأحزاب، باستثناء حزبي النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية، الى حلها، وتقديم المتورطين في العنف الى العدالة. وتم إرجاء هذا الخلاف الى مؤتمر الحوار الوطني الذي يشارك فيه خمسون حزباً ونحو ١٥٠ شخصية وطنية.
ويندرج استئناف الحوار الوطني في مرحلة سياسية لم تعرفها تونس طوال تاريخها، إذ أصبح العنف والسلاح والتهديد بالقتل والاغتيال المحور الأساسي لكل شواغل الشارع التونسي، وستكون المواجهة في مدينة القيروان بين أنصار الشريعة (التنظيم الذي لا يخفي ولاءه للقاعدة) مع الحكومة يوم ١٩ أيار الجاري حاسمة في تحديد مستقبل تونس.
فبعد أن كان زعيم حركة النهضة يسمي السلفيين بأنهم أبناؤه و«يذكّرونه بشبابه»، توجه إليهم أول من أمس بخطاب أقرب الى التهديد، طالبهم فيه باحترام الدولة ومؤسساتها، وذكّرهم بأن الدولة قوية وبأن أجهزة الجيش والأمن قادرة على الرد بصرامة على كل من يتطاول على الدولة.
وفي الوقت ذاته قال نائب الغنوشي عبد الفتاح مورو إن تونس مقبلة على «نهر من الدم»، وإن الايام المقبلة ستشهد عمليات تصفية واغتيال بما سيذكّر التونسيين بسنوات الجمر في الجزائر.
ومن جهتها أعلنت جماعة أنصار الشريعة أمس، في ندوة صحافية في مدينة القيروان، أنها لم تقدم أي طلب ترخيص لعقد اجتماعها، على عكس ما تداولته مؤسسات الإعلام الرسمي، وأنها لا تحتاج الى هذا الترخيص لعقد اجتماعها السنوي الذي أكد متحدث باسمها أنه سيحضره نحو ٤٠ ألفاً من أنصارها، فيما حذر الناطق باسم الجماعة قوات الأمن والجيش من محاولة منع هذا الاجتماع.