بعد أسبوعين على الحديث المتصاعد عن تطويق الفلوجة، وقطع الإمدادات عنها بالكامل، والحديث المتزايد عن انطلاق "انتفاضة شعبية" داخل المدينة، فاجأ "داعش"، في ساعة مبكرة من صباح أمس، قوات الأمن العراقية المتمركزة على تخوم الفلوجة بانتظار اقتحامها، بهجوم مباغت على المناطق المحيطة ببغداد تمكن خلاله من السيطرة على أجزاء بسيطة منها، في وقت تبنى فيه التنظيم، أيضاً، هجومين انتحاريين في مدينة الصدر، أكبر معاقل "التيار الصدري" في بغداد.وتضاربت الروايات بشأن عملية هجوم على مدينة أبو غريب، وهي أكبر مدن العاصمة تقع إلى الغرب منها، وتضم السجن السيئ الصيت الذي ارتكبت فيه القوات الأميركية انتهاكات بحق السجناء، لا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن، وطالما شكلت تهديداً أمنياً لخاصرة بغداد، وذلك بسبب قربها من الفلوجة وبقية المناطق الساخنة والمضطربة أمنياً.
المصادر التي تحدثت لـ"الأخبار" قالت إن الهجوم بدأ عندما تسلّلت مجموعة من عناصر "داعش" تقدر بـ20 مقاتلاً، بينهم انتحاريون من جنسيات مختلفة، وتمكنوا من اقتحام سايلو خان ضاري (غربي العاصمة) والسيطرة عليه لنحو 15 ساعة، قبل أن تتمكن قوة خاصة من "جهاز مكافحة الإرهاب" من تحريره والسيطرة عليه وقتل جميع المسلحين الذين تحصنوا داخله.
وفي السياق، أوضح بيان رسمي صادر عن خلية الإعلام الحربي ــ إذاعه التلفزيون العراقي، مساء أمس، أن "جهاز مكافحة الإرهاب، بمساندة الحشد الشعبي وطيران الجيش العراقي، تمكن مساء اليوم (أمس)، من تحرير سايلو خان ضاري بالكامل بعد قتل جميع الإرهابيين". وأكد البيان أن "القوات تمكنت، أيضاً، من إخلاء 32 عائلة كانت محاصرة داخل المجمع السكني من قبل الإرهابيين".
وتمكن "داعش"، بحسب أكثر من مصدر ميداني وأمني، من السيطرة على أجزاء مناطق "كاظم عذاب، والعبادي، والحمدانية، فضلاً عن المصنع الحكومي، قبل أن تتمكن القوات المشتركة من الجيش والحشد الشعبي من استعادتها، قبل حلول المساء". وأشارت المصادر إلى أن المهاجمين قدموا من ناحية الكرمة التابعة للفلوجة، والتي تشهد عمليات عسكرية ومعارك شرسة منذ أشهر.
بدوره، أوضح القيادي في "الحشد الشعبي" في الأنبار خميس الحلبوسي لـ"الأخبار" أن الهجوم قام به "أكثر من 250 عنصراً في تنظيم داعش، بينهم انتحاريون معظمهم من جنسيات أجنبية"، مشيراً إلى أن هذا الهجوم "كان من محاور مختلفة، ما دفع بالسلطات الأمنية إلى فرض حظر للتجوال". وأكد الحلبوسي أن "قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، تمكنوا من قتل نحو 130 عنصراً في داعش، خلال عمليات التطهير".
ولفت عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب إسكندر وتوت إلى أن "داعش" كان يهدف، من خلال الهجوم على أبو غريب، إلى اقتحام السجن وتحرير بعض السجناء الموقوفين على ذمة قضايا الإرهاب. وقال وتوت لـ"الأخبار"، إن هجوم "داعش" على أبو غريب يهدف إلى تقليل الضغط العسكري للجيش العراقي في مدينة الفلوجة وقضاء الكرمة في محافظة الأنبار.
بموازاة ذلك، رأى الخبير الأمني والمختص بشؤون الجماعات المسلّحة هشام الهاشمي أن الهجمات التي شهدتها أبو غريب ومدينة الصدر، هي إرهاصات ما قبل تحرير الفلوجة، داعياً الحكومة إلى ضرورة التعجيل في اقتحام الفلوجة منعاً لمزيد من التطورات والخروقات الأمنية. وحذر الهاشمي من نية "داعش" تصعيد هجماته المسلّحة والانتحارية، خلال الساعات المقبلة، مضيفاً أن هناك خططاً "داعشية" للسيطرة على منشآت ومؤسسات حكومية داخل العاصمة.
وكانت مدينة الصدر قد شهدت، أمس، تفجيرين انتحاريين متعاقبين استهدفا أشهر أسواقها (سوق مريدي)، أسفرا عن سقوط نحو 100 قتيل وجريح، وذلك بعد أيام على تفجير مماثل استهدف مسجداً في منطقة الشعلة، ثاني أكبر معاقل التيار الصدري في بغداد. وتبنّى "داعش" تفجير مدينة الصدر، متوعداً في بيان تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بأن "سيوفنا لن تتوقف على حزّ رؤوس الشيعة".
إلى ذلك، أعلنت مديرية شرطة محافظة الأنبار إمهال أهالي قضاءي هيت وكبيسة (غربي الرمادي) 48 ساعة لمغادرة مناطقهم، تمهيداً لاقتحامهما من قبل القوات الأمنية، فيما دعت المواطنين إلى الابتعاد عن مراكز وجود تنظيم "داعش" في المنطقتين.
وقال المتحدث باسم فوج الطوارئ التابع لشرطة المحافظة، سعود حرب العبيدي، إن "القوات الأمنية أنهت جميع استعداداتها لاقتحام هيت وكبيسة، بعد تحشد قوات الجيش والشرطة في محاورها كلها، بدعم من مقاتلي العشائر وأفواج الطوارئ وغطاء طيران التحالف الدولي".