حلب | حلب عطشى بعد قرنين ونصف على آخر حالة مشابهة عانتها المدينة، وحفظتها الذاكرة الشعبية بموشح «اسق العطاشى» الشهير، عندما ابتهل أحد شيوخها «محمد المنبجي» بذلك الموشح عام 1776، الذي احتل مكانة رفيعة في تراثها الموسيقي مع جماعة من المصلين، ليهطل مطر غزير أنقذ المدينة.
ومجدداً، يعود العطش ليهدد حلب، فمن قطع تركيا لمياه نهر الفرات، إلى استباحة الجماعات المسلحة للمنشآت المائية التي تغذي المدينة، ولخطوط الكهرباء التي تشغلها، إلى قدم أجزاء من شبكة جرّ المياه إلى المدينة، والانخفاض الشديد في استيفاء الرسوم وبدل الاستهلاك.
المدينة، التي تضم حالياً نحو مليوني نسمة، على شفا العطش، فالأعطال في المآخذ الكهربائية المغذّية لمحطة الضخّ تتكرر، والمجموعات المسلحة تعرقل أعمال الصيانة فيها، في وقت يرتفع فيه الاستهلاك مع ارتفاع درجات الحرارة.
مصدر في المحافظة قال لـ«الأخبار» إنّ الأعطال في المآخذ الكهربائية المغذية لمحطات الضخ بسبب انخفاض منسوب المياه في سدّ تشرين سبّبت قطع المياه كلياً عن المدينة، موضحاً أنّ «قطع مياه نهر الفرات من قبل الجانب التركي أثّر على توليد الكهرباء في سدّ تشرين الذي يغذي محطات الضخ». وأشار إلى أنّه جرى إقناع المسلحين في منطقة منبج بالاتفاق على تحييد محطتي الضخ في البابيري والخفسة من «التحرير»، لأن إخراجهما من الخدمة سيلحق الضرر أيضاً بالمناطق التي ينتشر فيها المسلحون أنفسهم.
المصدر أضاف أنّ قِدَم خطوط الجر من محطة «البابيري» يسبّب هدر نسبة عالية من المياه، والصيانة الدورية للخط المتهالك توقفت العام الماضي بسبب أعمال العنف. وعمدت المحافظة ومجلس المدينة والدفاع المدني إلى تسيير عشرات الصهاريج لتوزيع المياه على المواطنين في شوارع الأحياء المختلفة لتخفيف المعاناة، ريثما يُعاد الضخّ في الشبكة.
وبلغ سعر تعبئة خزان سعة 5 براميل نحو 6 آلاف ليرة سورية في حيّ الحمدانية، فيما قررت مديرية الأوقاف تشغيل الآبار الموجودة في بعض المساجد لتزويد المواطنين بالمياه. وقال نعمان كيال، المقيم في الحمدانية: «اشتريت 1000 ليتر بستة آلاف ليرة سورية، هي جريمة بحقّ المدينة أن تحرم المياه، ونشتري مياهاً غير مضمونة صحياً بسعر باهظ».
وفي شارع النيال، قام مالك أحد الآبار بضخّ المياه منها للعموم، فيما اصطف العشرات قرب صهريج للدفاع المدني لتعبئة عبوات صغيرة الحجم في حيّ الجميلية والأحياء الأخرى.
وتعاني مؤسسة المياه والصرف الصحي تراجعاً كبيراً في إيراداتها ينعكس على أدائها، فمنذ الصيف الماضي توقف سداد الفواتير في كل أنحاء المدينة نتيجة أعمال العنف. توقفت قراءة مؤشرات الاستهلاك، وأخيراً فقط بدأت الشركة باستيفاء رسوم الاشتراك والنظافة دون رسوم الاستهلاك.
ويراوح سعر ليتر الماء المكعب، وحسب نوع الاستخدام والكمية، بين ليرتين ونصف ليرة سورية للاستخدام المنزلي، وبين 16 و30 ليرة للاستخدام الصناعي والسياحي.