بينما أحصت أنقرة سقوط أكثر من 46 قتيلاً، وما يزيد على 100 جريح، في تفجير سيارتين مفخختين في بلدة الريحانية بالقرب من الحدود السورية، أكد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أمس أن النظام السوري يحاول جر تركيا الى «سيناريو كارثي»، إلا أن دمشق نفت على لسان وزير الإعلام عمران الزعبي وقوفها خلف الانفجار.
وقال أردوغان خلال لقاء في اسطنبول «إنهم يريدون جرّنا الى سيناريو كارثي»، داعياً الشعب الى «التنبه وضبط النفس في مواجهة أي استفزاز يهدف الى جر تركيا الى المستنقع السوري». وحمّل رئيس الوزراء المسؤولية لـ«القوى التي تسعى إلى عرقلة مسيرة السلام»، مشيراً الى المصالحة مع حزب العمال الكردستاني، فيما هدد نائبه بولنت أرينج، بأن أنقرة سترد بشدة إذا تأكد لديها أي علاقة للنظام السوري بالانفجارات. أما وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، فرأى من ناحيته أن الوقت قد حان ليقوم المجتمع الدولي بتحرك ضد الرئيس السوري بشار الأسد. وأشار داود أوغلو، خلال مؤتمر صحافي في برلين غداة التفجير، الى «المصادفة» بين توقيت الاعتداء المزدوج، و«تسارع» الجهود الرامية إلى حل الأزمة في سوريا، ولا سيما مع الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء التركي لواشنطن الخميس المقبل. وشدد الوزير التركي على أن بلاده لن تغير في سياستها لناحية إيواء اللاجئين السوريين، مؤكداً أن «كل من يلجأ الى هنا هو ضيفنا». وأكد أن بلاده تحتفظ بالحق في اتخاذ «كل أنواع الإجراءات»، لكنه لا يرى حاجة إلى اجتماع طارئ لحلف شمالي الأطلسي.
وبعد ساعات على التفجيرين، أعلن وزير الداخلية التركية معمر غولر، من أمام مقر بلدية الريحانية التي تعد 60 ألف نسمة وحيث يقيم العديد من اللاجئين السوريين، أن منفذي الهجومين «على علاقة بمنظمات تدعم النظام السوري وأجهزة استخباراته». وقال «لقد كشفنا هويات هؤلاء المنظمين والذين قاموا بعمليات الاستطلاع وأودعوا السيارات». وأكد غولر أن أحد أهداف المحرضين على الهجوم هو «إثارة توترات بين الناس المقيمين هنا في الريحانية والذين تم إيواؤهم فيها بهدف إنساني (السوريون)».
في المقابل، نفت دمشق الاتهامات التركية لها بالوقوف خلف التفجيرين في بلدة الريحانية على لسان وزير الإعلام.
وقال الزعبي «منذ مئة عام لدينا مشاكل مع تركيا، ولم تقدم سوريا بكل حكوماتها وجيشها وأجهزتها على سلوك هكذا تصرف أو فعل لا لأننا لا نستطيع، بل لأن تربيتنا وأخلاقنا وسلوكنا وقيمنا لا تسمح بذلك».
وأكد وزير الإعلام، الذي كان يتحدث في افتتاح ندوة في مكتبة الأسد في دمشق، أنه «ليس من حق أحد أن يطلق اتهامات جزافاً»، مشيراً الى أن «وزير الداخلية (التركي) يقول إن الاتهام موجه لسوريا، وسنثبت عندما نصل الى أدلة»، مشيراً الى أن الأخير «يطلق اتهامات ثم يريد أن يبحث عن أدلة، وبمعنى آخر يريد أن يصنع أدلة».
وحمّل الزعبي الحكومة التركية «المسؤولية الكاملة عما حدث»، مشيراً الى أنها ورئيسها أردوغان، والوزراء ولا سيما وزير الداخلية «يتحملون مسؤولية مباشرة سياسية وأخلاقية تجاه الشعب التركي والمنطقة وتجاه الشعب السوري والعالم». وشن وزير الإعلام السوري هجوماً لاذعاً على أردوغان، قائلاً «أنا أطالبه بأن يتنحى كقاتل وكسفاح وليس من حقه أبداً أن يبني أمجاده على دماء الأتراك وعلى دماء السوريين».
وتساءل الوزير السوري عن توقيت العملية الذي جاء «الآن وقبل أيام من ذهاب أردوغان للقاء أوباما»، قائلاً «هل يريد (أردوغان) أن يُحرّض الولايات المتحدة ويقول إن دولته وكيانه الذي هو عضو في حلف شمالي الأطلسي يتعرض لاعتداء من سوريا؟». وتابع «هل هذا هو المطلوب؟ هل يريد أن يستعرض ويقول إنه يملك من القوة ما يكفي للتدخل في سوريا بالنيابة عن الآخرين؟... وهل يريد إفشال الجهود الروسية الأميركية والذهاب الى مؤتمر وإيجاد ترتيبات سياسية؟». لكن المجلس الوطني السوري المعارض دان في بيان «بأشد عبارات الإدانة والاستنكار الجرائم الجبانة التي ارتكبها عملاء النظام السوري في مدينة الريحانية التركية، بحق مواطنين سوريين وأتراك».
في هذا الوقت، أعلن نائب رئيس الوزراء التركي بشير أتالاي، اعتقال تسعة أشخاص كلهم أتراك ينتمون الى «منظمة إرهابية على اتصال مع أجهزة الاستخبارات السورية»، مضيفاً إن بعضهم أدلى «باعترافات». وقال أتالاي إن 38 من القتلى الـ 46 تم التعرف الى هوياتهم، وبينهم 35 تركياً وثلاثة سوريين. وأوضح أتالاي أن منفذي الهجوم لم يأتوا من الجهة الأخرى من الحدود، بل «بحسب معلوماتنا فإن المنفذين أتوا من الداخل».
في غضون ذلك، تناقضت المعلومات والتحاليل في تركيا في ما يتعلق بالانفجارين، حيث سعت بعض وسائل الإعلام إلى توجيه أصابع الاتهام لدمشق، وقالت عنها إنها تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي في تركيا.
كذلك أشار أعضاء في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري المعارض والمنتخبين عن ولاية هاتاي، التي تتبع لها الريحانية، إلى خطورة الوضع في المنطقة بالكامل، وقالوا إن سبب ذلك هو دعم الحكومة للجماعات السورية المسلحة، وخاصة جبهة النصرة التي قال البرلمانيون إن عناصرها الأجانب قد دخلوا سوريا عبر الأراضي والحدود التركية.
وفي بلدة الريحانية، عبّر السكان عن غضبهم واندلعت حوادث مع مجموعات من الشبان الغاضبين العازمين على الثأر من السوريين، ما اضطر الشرطة الى إطلاق النار في الهواء. ولم تسلم السيارات التي تحمل لوحات سورية في وسط المدينة من ذلك الغضب، فكسر زجاجها الأمامي وأُصيبت بأضرار.
وفي ردود الفعل، دان نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عرقجي، الاعتداء «الإرهابي الهمجي» الذي وقع في تركيا. وقال إن «من واجب كل البلدان مكافحة الإرهاب».
وفي بغداد، أفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن «ارتكاب هذه الجرائم واتساع دائرة الإرهاب يشكلان حافزاً إضافياً على ضرورة تعاون جميع الدول، ولا سيما دول المنطقة والتنسيق في ما بينها لقطع دابر الإرهاب واستئصال التطرف والعنف بكل أشكاله».
من ناحيته، دان وزير الخارجية الأميركي جون كيري التفجيرات «المروعة». وقال إن «هذا الخبر المروّع أثّر بنا جميعاً، نظراً الى أننا نعمل بشراكة وثيقة مع تركيا، وإلى أن تركيا كانت مراراً محاوراً حيوياً في عملي كوزير للخارجية خلال الأشهر الثلاثة الماضية».
(أ ف ب، رويترز، الأخبار)