لم يعد العامل الضاغط على القيادة السياسية الإسرائيلية في مسألة تقليص الموازنة الأمنية يقتصر فقط على الحسابات المتصلة بضرورة المحافظة على نسب عجز محددة، لأسباب اقتصادية، أو على ضرورة توفير متطلبات الجيش، التي تمكنه من مواجهة التحديات التي تمثل أمام إسرائيل في المدى المنظور والبعيد. لقد عاد العامل الاجتماعي والشعبي يضغط من جديد عبر مسيرات احتجاجية مشابهة لما حصل في عام 2011، حيث اجتاحت تل أبيب، تظاهرة عارمة شارك فيها نحو اثني عشر ألف شخص، إضافة الى مسيرات في عدد من المدن الأخرى، احتجاجاً على التقليصات الاقتصادية، التي تمس الطبقات الضعيفة والوسطى التي تضمنتها الحالة الاقتصادية.
بعيداً عما تعكسه هذه التظاهرات من خيبة أمل الطبقة الوسطى من وزير المالية الجديد يائير لابيد، وفي مقابل ما يطرحه من تقليص الموازنة الأمنية بمبلغ 4 مليارات شيكل، يحذر ضباط جيش الاحتلال، وفي مقدّمهم رئيس الأركان بني غانتس، من المخاطر المحدقة بإسرائيل والجيش في حال تنفيذ هذه التقليصات، في محاولة منهم للضغط على الوزراء لرفضها.
وفي الوقت الذي بدت فيه هذه المسيرات الشعبية كما لو أنها رسمت أمام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير المالية يائير لابيد خطاً أحمر يتعلق بالاقتطاعات المتصلة بالطبقة الوسطى ودفعهما باتجاه تقليص عميق في المؤسسة الأمنية، نقلت تقارير إعلامية أنهم في الجيش باتوا على اقتناع بضرورة تحمل هذا العبء، لكنهم سيحاولون توزيع الاقتطاعات على مدى سنوات، وأنهم لا يرفضون فكرة التقليص، لكن الحديث يتمحور حول ماذا سيشمل التقليص المقترح، وما الذي يمكن الجيش الاستغناء عنه في ظل المخاطر العديدة التي تتهدد الدولة العبرية، وخصوصاً أن التقليصات الفورية، بحسب مصدر في وزارة الدفاع، يمكن أن تؤدي الى المس بالنشاطات الجارية وليس بمشاريع طويلة المدى.
وردّاً على المطالبة بتقليص 4 مليارات شيكل، اتهم مسؤولون في وزارة الدفاع وزارة المالية بأنها «تريد تقليص الموازنة الأمنية بشكل جوهري، ولكنْ لهذا آثار دراماتيكية إذا ما تمت في هذه الفترة، إذ سيضطرون الى إيقاف التدريبات وعمليات الشراء والتجهيز والتسليح، وهو ما لا يريده أحد».
في هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية أن محور النقاش يتركز على خطة الجيش المتعددة السنوات، 2014 _ 2019، والآثار المتوقعة للتقليص عليها، والتي تشمل طموح الجيش بشراء منظومة أسلحة، وإقامة وحدات جديدة، وتوفير رد على التغييرات التي استجدت على منظومة التهديدات المحدقة بأمن إسرائيل. هذا الى جانب تمويل حماية حقول الغاز الإسرائيلي وكلفة حماية تصدير الغاز التي تبلغ نحو 3 مليارات شيكل.
في ظل هذه الأجواء، عبر رئيس كتلة «يوجد مستقبل» عوفر شيلح، عن دعمه للتقليص في الموازنة الأمنية، مشيراً الى أنه في حال عدم المصادقة على ذلك، سنضطر الى توفير المبلغ من مكان آخر، لأنه لا يوجد خيار إلا التقليص حيث يمكن ذلك، وليس بالضرورة حيث ينبغي. بدوره، أيّد عضو الكنيست عن حزب «العمل»، ايتان كابل، دعمه لتقليص الموازنة الأمنية، بالقول «إذا كان هناك أمر واحد في هذه الخطوة ينبغي علينا دعم لابيد فيه، فهو الموازنة الأمنية». لكن رئيسة «العمل» شيلي يحيموفيتش، هاجمت لابيد بالقول إنه «أداة لتنفيذ سياسة نتنياهو الاقتصادية».
في غضون ذلك، أعلن وزير الاقتصاد ورئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينت، أنه حان الوقت لأن تتحمل الدوائر الأمنية بعض العبء الملقى على عاتق الجمهور الإسرائيلي في ما يخص ميزانية الدولة، معتبراً أن النقاش حولها يتعلق بالقيم والمبادئ، وهو ليس نقاشاً اقتصادياً محضاً. وأضاف إن «الإجراءات التقشفية التي ينص عليها مشروع الميزانية تستهدف سد العجز الكبير في الميزانية ولا تتناول القضايا الأساسية لدولة إسرائيل نظراً إلى ضيق الوقت».