القاهرة | في مؤتمر صحافي صاحبه زخم إعلامي كبير، أعلن اللواء محمد إبراهيم القبض على «خلية إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة مكونة من 3 أشخاص كانت تهدف الى تفجير إحدى السفارات الأجنبية ومنشآت حيوية مصرية، في القاهرة والإسكندرية»؛ الطريقة والتوقيت اللذان أُعلن فيهما النبأ يدعوان الى الريبة، وخصوصاً أن حزب «الحرية والعدالة» الحاكم لم يعلّق على الحادثة «الخطيرة»، وكذلك رئاسة الجمهورية. وقال إبراهيم إن القبض على الخلية جاء «بعد تتبع الأمن الوطني لأفرادها واكتشافه اتصالهم بمسؤول تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي داود الأسدي، وارتباطهم بخلية مدينة نصر التي قبض عليها أواخر العام الماضي». من ضمن الأسماء المعلنة في هذه الخلية محمد عبد الحليم (25 عاماً)، ومحمد مصطفى (23 عاماً)، ألقي القبض عليهما في الإسكندرية، وعمرو أبو العلا، الذي اعتُقل في القاهرة.
وأوضحت زوجة عبد الحليم، لـ«الأخبار»، أن القبض على زوجها «تم فجر الجمعة بطريقة مهينة عبر كسر للأبواب وتركيعه وتفتيش البيت بشكل فوضوي ومصادرة جهاز المحمول ومحمولين آخرين»، قبل أن يتم ترحيله إلى القاهرة في اليوم نفسه ويتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا، التي احتجزته مع مصطفى 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بينما أُبقي الشخص الثالث في منزله رهن القضية.
لكن وزير الداخلية قال في المؤتمر إنه «عُثر معهما على 10 كيلوغرامات من مادة نترات الأمونيوم، التي يمكن استخدامها في تجهيز مواد متفجرة»، وهو الأمر الذي سخر منه ممدوح إسماعيل، أحد محامي المتهمين، قائلاً إنه سماد، وإن تجهيز هذه المادة يحتاج الى عملية معقدة، معتبراً الأمر «كليشيهات معادة من الأمن الوطني».
بدوره، ربط صلاح الدين حسن، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والتيارات الجهادية، في حديث الى «الأخبار»، الإعلان بمعطيات إقليمية ودولية، قائلاً إن «القبض على هؤلاء الأشخاص جاء عقب أيام قليلة من وفاة 2 من المصريين في عملية انتحارية قام بها 5 أشخاص تابعين لتنظيم التوحيد والجهاد، ضد القوات المالية الموالية للقوات الفرنسية في شمال مالي»، وهي أجواء مشابهة ومتقاربة مع القبض على خلية مدينة نصر التي ألقي القبض فيها على 43 شخصاً وحبس منهم 26 على ذمة القضية، إذ جاءت بعد هجوم بنغازي ومقتل السفير الأميركي.
واعتبر أن هذه الملاحظة يمكن أن تشير الى أن إعلان الداخلية القبض على جهاديين يأتي عقب ضرب أو تهديد مصالح غربية، مشيراً في الوقت نفسه الى أن هذه الملاحظة يمكن الاستدلال منها أن «الأمن الوطني يتحرك وفق معلومات تصل إليه بأكثر من تحرياته وتحركاته هو»، لافتاً إلى تقارير أميركية نوهت بأنّ القبض على خلية مدينة نصر «جاء بإرشاد أميركي».
في المقابل، قال الباحث أحمد مولانا، صاحب كتاب العقلية الأمنية في التعامل مع التيارات الإسلامية، لـ«الأخبار» إن هذه العملية هي «محاولة لتجميل صورة الأمن الوطني، بعد تسليط الضوء عليه في الفترة الأخيرة وبعد الوقفة أمام مقر الجهاز من خلال إبرازه كجهاز يحمي مصر من الإرهاب»، كاشفاً أن «اختيار الأشخاص بصفة عامة لسابقة انضمام أحدهم لحركات مسلحة خارج مصر، ما يجعل تقبل قصة علاقتهم بتنظيمات خارجية أكثر يسراً». وأوضح أن عبد الحليم «سبق انضمامه الى حركات إسلامية جزائرية معارضة لبوتفليقة».
ورأى مولانا أن «أسلوب التهجم على منزل المقبوض عليهم واتهامهم بالاستعداد للهجوم على أهداف حيوية في مصر يذكر بحادثة القديسين وما حدث لسيد بلال وزملائه، بينما يذكر مؤتمر وزير الداخلية بمؤتمر العادلي للإعلان عن القبض على أحمد لطفي لتورطه في حادثة القديسين وهو ما ثبت كذبه بعد الثورة بحصوله على براءة في القضية»، متسائلاً «شاهدنا أهدافاً سيادية كالقصر الجمهوري تهاجم ولم نشاهد القبض على الفاعلين».
تساؤل مولانا يقود إلى صمت الرئاسة والإخوان حيال القضية، ولا سيما مع وجود هذا الزخم الإعلامي والأمني المحيط بها، وهذا يثير بدوره تساؤلات عديدة حول طبيعة نظرة الإخوان ومرسي إلى ما يحدث بين الإسلاميين ذوي الخلفية الجهادية وبين الأمن الوطني، وخصوصاً بعد هجوم شخصيات تنتمي إلى الفكر الجهادي «المسلح وغير المسلح» على مرسي، واتهامه بالسكوت والتواطؤ مع الأمن الوطني والداخلية.
صلاح حسن أرجع هذا الصمت إلى «رغبة الرئاسة في عدم الاستعجال بالتعامل مع ملف الجهاديين لحساسيته، وعدم وجود مبرر للتعامل بشكل عنيف أو قاس معه، في ظل وجود اتهامات غير مؤكدة. وفي الوقت نفسه، يستفيد الإخوان من وجود نموذج أكثر صرامة ومثير للقلق لدى قطاعات عديدة داخل المجتمع، فيُظهرون أكثر مرونة، فضلاً عن التلويح بهم كمخلب قط، أمام القوى السياسية التي ترغب في إسقاط مرسي، استناداً إلى أن هذه القوى، رغم اختلافها الشديد مع مرسي لن تقبل بسقوطه بوصفه رئيساً إسلامياً يأمنون له أكثر من غيره».
ولفت حسن الى أن سياسة مسك العصا من النصف، التي تظهر في تعامل الرئاسة، كانت قد سبقتها محاولة إخضاع الجماعات الجهادية في مصر لبرامج مدروسة تفكيكية لأفكارها من قبل النظام، واحتوائها، لأن الصدام معها كان سيُخسر الإخوان الكثير، لافتاً الى أن هذه السياسة الاحتوائية كان لها مؤشرات نجاح في الفترة الماضية، وهي سياسة شارك فيها السلفيون التقليديون عبر قوافل وأنشطة في أماكن تمركزهم كسيناء.
في المقابل، رأى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت أن هذه القضية مفتعلة وأجواءها مشابهة لواقعة خلية الزيتون التي أعقبت احتجاجات 2008، لكن المحكمة عادت وأعلنت براءة المتهمين فيها. وكان الغرض منها، وفق الناشط إسلام محمد، «إشغال الشارع عن قضايا أهم، والتمهيد لإظهار أنه لا استغناء عن هذا الجهاز، ومحاولة ضرب الحركات الشبابية التي لها وجود في الشارع، دون الاعتراض على الجهات الأمنية».