بيت لحم | وحدي دائراً في أزقةِ بيت لحم. وحدي تحتَ نجمِ الرّعاة. أقتفي خطوي المُضيَّع في الزُّقاق. إنَّ ما شدّني خيطٌ يُشبه الشعرةَ في ترنيمةِ الخلق، هذا الخيطُ الذي مشيتُ عليهِ لأبلغَ الدّير. قلتُ في نفسي ولماذا لا أصلّي من أجلِ الإنسان؟. لماذا لا أدخلُ لكي أكون المُصطفى في ليلِ الكنائس؟ إخوتي كانوا هنا، أخواتي كنَّ هنا، الأطفالُ أيضاً. وجوهنا كالإنجيلِ تُشِعّ ملامحها مُطمئنّة. يا لهذا الفصحِ، يا لروحي مثل غيمةِ فراشاتٍ ستعبرُ بي كي تمطرني في الكنيسة. ما ضير أنْ أكونَ مسلماً أرثوذكسياً لأدخلَ الكنيسةَ؟ يسوعُ أخي بلا جدالٍ وابنُ أرضٍ تعيشُ بينَ «بساطيل» الجندِ بيوتِ المخيماتِ والحواجزِ والقهرِ. يسوعُ ابن القهرِ. يسوعُ يشبهُ الأرضَ المخلوعةَ من أشجارِها. يسوعُ المُصادرُ من بيتهِ. يسوعُ الذي لنْ يُصادروهُ داخلنا. لهذا أكملتُ طريقي مصحوباً بأنفاسِ أبي الجميلِ يسوع. أكملت طريقي لأعبر دهليزَ الشقاءِ في ازقةِ بيت لحم. دخلتُ ليلَ الكنائسِ مُدَّوخاً في طريقِ الجُلجلِ. كانَ لحمُ المسيحِ قميصي المُشوَّك. كنتُ أنا صليبي. المساءُ تعجلَ بخطوي. ما أجملَ الكنيسةَ الأرثوذكسية. ما أجملَ أن أدخلَ لحظتها. ما أزالُ أحمِلُني تحتَ شمسِ الليلِ كأنني أرضُ الخلائقِ. أزقةُ بيت لحم حيثُ كانت محبىً وكانت سماءً ثامنةً لخطى أبي يسوعَ وأنا أقلِّدهُ، إذ تهبطُ السماءُ لتنفردَ لخطوتي.
بيت لحم حيثُ أطلقتْ صرختها ماريم تحتَ نجمةِ اللهِ فكانَ اليسوعُ يهبطُ لترِفَّ روحهُ على ماءِ أدمعنا. كانَ اليسوعُ يحضرُ مثلَ فاكهةِ العذابِ في حديقةِ روحهِ. لقد ذهبتُ إلى كاتدرائيةِ الأرثوذكس في بيت لحم وحضرتُ الصلاةَ. كانَ اللهُ بينَ شفتيَّ ترنيمةَ الطفلِ. الأورغنُ يُطلقُ أنفاسَ العراةِ والجياع. الأورغنُ يخطفُ أنفاسي لِيطلقها في الصّلواتِ المضيئةِ. كأنَّ مفاتيحَ هذا الأورغنِ من أصابعِ أطفالِ المخيمِ. كأنَّ مفاتيحَ الأورغنِ الكنسيِّ من أصابع مَن بُترتْ أصابعهم ذات حرب. لقد عشتُ أدخلُ أرشيفَ المسيحِ. وقبل دخولي الكنيسةَ مشيتُ على نبضهِ في طريقِ الجُلجلِ. دخلتُ الكنيسةَ مُترعاً بالبخورِ وطيورِ الصلواتِ. كنتُ مع إخوتي إخوة يسوع. لقد كانَ قلبي ماسةً من بكاءٍ وترانيم، وكنتُ أعرقُ نبيذاً وكانَ جسدي كأنهُ خبزُ جياعٍ. كانت صلواتٌ بهدوءِ الرّذاذِ. هلّلويا يا كلَّ عائلةِ الأرضِ. هلّلي يا فتاتي في ليلِ الكنائسِ. مَن يقرعُ قلبي جرساً؟ مَن يقرعُ قلوبنا أجراساً في ليلِ أن يتجلّى اللهُ فينا؟
أيةُ ماريمَ ضوّأتْ لي وجهَها القدّوسِ قمراً نهائياً في ليلِ الكنائسِ. أيُّ فصحٍ تطهّرتُ بهِ. أنا الإنسانُ، أنا الجميلُ بأخطائي وخطايايَ لكي أتطهّر.
أمّي ماريمُ تأتي، سماويةً تأتي. من كلِّ الجهاتِ تأتي. مُكحّلةً بالبارود. تفتحُ لي كفّيها إنجيلَ من لا إنجيلَ له..