طرطوس | استيقظ أهالي الساحل السوري على أخبار صادمة من مدينة بانياس التابعة إدارياً لمحافظة طرطوس، حيث قُطع الأوتوستراد الدولي الواصل بين الساحل وبقية الأراضي السورية. مسافرون عادوا أدراجهم إلى دمشق وحمص بعد فشلهم في «اللحاق» بإجازاتهم، هم متأخّرون عنها بطبيعة الحال. عناصر الجيش لا يتجاوبون مع محاولات المسافرين المستميتة من أجل العبور، والإجابة الوحيدة: «الاشتباكات قائمة، عودوا من حيث أتيتم. لن يفتح الطريق اليوم». يبدو الأمر مخيفاً وجدّياً، جرحى يصلون إلى مستشفى اللاذقية العسكري، والشائعات كثيرة. عملية البحث عن طرق بديلة تقلق البعض؛ فمعظمهم غرباء عن المنطقة، ولا ثقة بسؤال أيٍّ كان عن طرق فرعية قد تؤدي إلى الخطف أو الموت.
أشهر طويلة مضت، قبل أن تنهض بانياس من نومها الذي بدأتْه بعد اقتحام القوى الأمنية لقرية البيضا، حين انتشرت تسجيلات مصورة لعناصر أمنيين يدوسون أشخاصاً مقيّدين ومرميين أرضاً. وما بين مؤيد لصحة التسجيلات يحرّض على الثورة، ورافض لها يؤكد كذب مزاعم الثوار، نامت بانياس طوال أشهر بعيداً عن الإعلام المنشغل بالحدث السوري في المناطق الأُخرى. أما اليوم، فقد عادت أخبارها إلى الواجهة بقوة بعد محاصرة مقاتلين من البيضا والمرقب وجسر القلعة لحاجز رأس النبع وإطلاق النار من مبنى قريب، ما اضطر الجيش إلى استعمال المدفعية لدكّ المبنى وعدة مبانٍ أُخرى في البيضا أيضاً، بعد القيام بعمليات دهم وتمشيط للمنطقة. الأحداث الأخيرة جاءت بعدما اغتال مسلحون العقيد علي أبو أسعد الذي استُهدف بعبوة ناسفة عند جسر البساتين على أوتوستراد بانياس - طرطوس، وسط الحديث عن مقتل الشيخ عمر بياسي وابنه وزوجته، إثر انتشار أخبار عن وساطته في مفاوضات بين الطرفين. وكما جرت العادة عند حصول اغتيال شخصيات داعية إلى الوحدة الوطنية ونبذ العنف، تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بشأن مقتله. أما الخسائر المتوقعة جرّاء الأحداث الأمنية الجارية في المدينة، تقدّر بـ 10 عناصر من الجيش والقوى الأمنية وعشرات الجرحى، إثر نصب عدة كمائن لهم في القرى المذكورة والمتداخلة في ما بينها. فيما تتوارد الأخبار تباعاً من المنطقة عن مقتل وجرح عشرات العناصر المسلحين من المعارضة، بعضهم من جنسيات أجنبية، ومصادرة مخزنين من الأسلحة، بحسب الصور الواردة.
لا فرص تساهم في زيادة حظوظ المعارضة في بانياس، فالمدينة محاصرة بكتل سكانية هائلة تؤيد النظام وتذود عن مناطقها مزوّدة بأبناء لها في جيش الدفاع الوطني الرديف للجيش السوري. وعند الحديث عن السبب الذي دعا المسلحين إلى محاولة «الانتحار جماعياً»، لا يمكن التنبؤ بفائدة تُذكَر إلا محاولة نقل الحرب إلى الساحل المتهم دائماً بكونه معقل النظام الأول ومسقط رأس رئيس الجمهورية، فيما قرأ آخرون ما جرى على أنه وسيلة لصرف نظر النظام وإشغاله عن معاركه المتقدمة في ريف القصير وتخفيف الضغط عن الثوار هُناك. ولعل التوصيف الأدق يختصر في محاولة المجمعات المسلحة البحث عن نصر إعلامي يعوض خسائرها على المحاور الداخلية. السلطات السورية أعادت فتح الطريق الدولي بين بانياس - طرطوس ذهاباً وإياباً، لكن باستخدام طريق فرعي موقت، بسبب استمرار الاشتباكات العنيفة، بالإضافة إلى القنص العشوائي.
وفي ظل تناقل العديد من الوسائل الإعلامية المناوئة للنظام السوري أنباءً عن حصول مجزرة جديدة في قرية البيضا، لم تُرصَد أي صورة أو تسجيل صوتي أو مصوّر لحصول مجزرة فعلاً، على الرغم من توقعات بوجود ضحايا مدنيين إثر القصف المدفعي لعدد من المباني التي تمترس فيها مسلحو المعارضة.
في السياق، أدان «الائتلاف» المعارض في بيان «وقوع أحداث ترقى إلى جريمة إبادة جماعية» في البيضا، مشيراً إلى أنّ «قوات الأسد مسؤولة مباشرة» عمّا جرى. ورأى أنّ «هذه الجريمة» تستدعي «تدخلاً عاجلاً من مجلس الأمن»، مطالباً «جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بالتحرّك السريع لإنقاذ المدنيين في بانياس، وغيرها من محافظات سوريا».