القاهرة | الأهمية القصوى للموازنة العامة للدولة الجديدة لا ترجع في المقام الأول إلى أنّها الموازنة الأولى في عهد الرئيس محمد مرسي، أو بالأحرى الموازنة العامة الأولى، التي يكون فيها الرئيس مسؤولاً عنها بالدرجة الأولى، وخصوصاً أن الموازنة العامة للعام المالي الحالي مرّرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل أيام من تولي الرئيس المنتخب مهمات منصبه، وبعد استبعاد رأي مجلس الشعب، الذي أصدر المجلس العسكري قراراً بحله. بعيداً عن مسؤولية نظام مرسي، تبدو تلك الموازنة الجديدة كأنّها تفضح أكثر مما تستر، وتعجز بأكثر من أي وقت مضى عن محاولة رأب الصدع العميق في شعبية تجربة جماعة الإخوان المسلمين، التي ينحدر منها الرئيس، الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، وعلى خلفية سعي هذا النظام المتواصل للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن التسهيل الائتماني الذي تطلبه مصر، يبدو التناقض واضحاً بين الدعاية السائدة التي روجت لضرورة الإقدام على تنفيذ حزمة من الإجراءات «الإصلاحية» المالية الضرورية لإنجاز الاتفاق مع الصندوق، والتي قيل إنها ستعيد في الأساس ترتيب أولوليات الإنفاق لمصلحة الفقراء، من جهة، وبين ما تكشف عنه الموازنة من حقيقة جدوى هذا التعديل في الأولويات حيال أوضاع الفقراء، وخصوصاً في ظل الآثار المباشرة وغير المباشرة عليهم من جراء تطبيق الإجراءات أصلاً.
وعلى صعيد حزمة الإجراءات المالية تلك، تطمح الحكومة إلى توفير مصادر جديدة للإيرادات يصل حجمها إلى 30.2 مليار جنيه في الأساس، عبر تعديلات على الضريبة العامة على المبيعات، يتوقع أن تدرّ وحدها 15 مليار جنيه، وهذا يشمل رفع معدلات الضرائب على عدّة سلع، منها الاسمنت، ما يعنيه ذلك من قفزة كبيرة متوقعة في أسعار بيع العقارات وتأجيرها. هذا إضافة الى تعديل ضرائب المبيعات وصولاً الى تطبيق الضرائب على القيمة المضافة، التي ستدرّ 11.4 ملياراً اضافية في الربع الأخير من العام المالي الجديد، بخلاف «توسيع القاعدة الضريبية» لتشمل الغالبية الساحقة من الخدمات، وهو إجراء سيدرّ 3.9 مليارات جنيه.
وتجدر الإشارة الى أن ما وفرته مصادر الإيرادات الجديدة، يشكّل صافي آثار تلك الإجراءات بعد حسم التراجع في الإيرادات الناجم عن رفع حدّ الإعفاء الضريبي للفقراء 3.2 مليارات جنيه فقط.
وعلى مستوى التوفير في النفقات، تطمح الحكومة إلى توفير 42.6 مليار جنيه إضافية عبر عدة إجراءات، على رأسها التعديلات على نظام دعم المواد البترولية، الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى قفزة ضخمة في أسعار معظم السلع والخدمات، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاحتكارية في عدّة قطاعات رئيسية. أي إن إجمالي التوفيرات من كل الإجراءات على صعيدي النفقات والإيرادات يفترض أن تتجاوز 72 مليار جنيه دفعة واحدة.
وكان مسؤولون بارزون في صندوق النقد الدولي، وفي مقدّمتهم رأسهم كريستين لاغارد، مديرة الصندوق، قد شدّدوا مراراً في تصريحاتهم خلال اجتماعات الربيع المشتركة مع البنك الدولي خلال نيسان المنصرم، على أن التوفيرات من تلك الإجراءات، وخصوصاً من دعم الطاقة، لا بد أن تعني تحسناً في أوضاع الفقراء في الأساس عبر إنفاق أكبر على التعليم والصحة.
إلا أن المفارقة تبلغ ذروتها في الموازنة الجديدة، عند استعراض مخصصات التعليم والصحة بصورة خاصة؛ إذ تنخفض نسبة الإنفاق على التعليم إلى صافي الإنفاق العام في الموازنة الجديدة إلى 15.7 في المئة من 17.7 في المئة في موازنة العام المالي 2012 ــ 2013، بينما تشهد نسبة مخصصات الإنفاق على الصحة ارتفاعاً طفيفاً للغاية لتصل إلى 6.5 في المئة إلى صافي الإنفاق العام قياساً بـ 6.3 في المئة في العام المالي الجاري.