رغم التنازل الذي قدّمته الجامعة العربية، في مبادرتها الجديدة ــ القديمة، لاسرائيل، عبر تلبية مطلبها الدائم بالموافقة الرسمية على مبدأ ضم الكتل الاستيطانية الكبرى التي تضم غالبية المستوطنين في الضفة الغربية، تحت عنوان «تبادل الأراضي بين اسرائيل والفلسطينيين»، أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، عزمه تقديم الاتفاق، الذي سيتم التوصل اليه، إلى الاستفتاء الشعبي، مشيراً الى أن أصل النزاع ليس حول الأراضي، وانما على يهودية الدولة.
لكن موقف رئيس الوزراء، الذي أعلنه خلال لقائه مع الوزير السويسري ديديه بورخهالتر، قابله شريكه في الكتلة التي يترأسها، رئيس لجنة الخارجية والأمن، أفيغدور ليبرمان، بموقف معارض لأي اقتراح قانون استفتاء شعبي كشرط للمصادقة على الاتفاق السياسي مع الفلسطينيين، واصفاً ذلك بأنّه «تهرب من تحمل المسؤولية».
وأكّد ليبرمان أنه في حال وصل اقتراح قانون للنقاش أمام اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، فسيصوت ممثلو «اسرائيل بيتنا» ضدّه، فيما ذكرت تقارير اعلامية أن رئيسي «يوجد مستقبل» و«البيت اليهودي»، يدرسان دفع اقتراح تشريع استفتاء شعبي.
وينص الاتفاق الائتلافي بين «الليكود ـ بيتنا»، و«الحركة» برئاسة تسيبي ليفني، على أن أي اتفاق مع الفلسطينيين، سيطرح للحسم في الحكومة والكنيست، و«اذا كان هناك حاجة يُطرح على الاستفتاء الشعبي». كما سنّ الكنيست في تشرين الثاني من العام 2010، اجراء استفتاء شعبي بشأن «أي انسحاب اسرائيلي من هضبة الجولان أو القدس الشرقية قبل المصادقة على أي اتفاق». غير أن القانون نفسه ينص أيضاً، على أنه من غير الضروري اجراء الاستفتاء في حال نال الاتفاق غالبية ثلثي الكنيست (80 عضواً).
قبل الموقف الذي أعلنه من الاستفتاء، كان نتنياهو قد أكد أمام كبار موظفي وزارة الخارجية، أن «أصل النزاع» مع الفلسطينيين ليس على الأراضي، بل «بدأ قبل العام 1967»، ويتمحور حول الاعتراف بـ«اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي». واستشهد بذلك على استمرار اطلاق الصواريخ بعد الخروج من قطاع غزّة في العام 2005. وأضاف أن «جذور الصراع مع الفلسطينيين ليست (مستوطنة) يتسهار وإنما حيفا وعكا ويافا والقدس». ورأى أن «يعترف الفلسطينيون بحقنا في الوجود كدولة قومية بغض النظر عما هي الحدود، والى أن يعلنوا أن الصراع قد انتهى، لن يكون هناك سلام». وأكّد أنّه «ما لم تحدث هذه الأشياء، حتى لو توصلنا إلى اتفاق، فسيبقى الصراع مستمراً بوسائل أخرى». لكن نتنياهو تابع القول إن «الاعتراف باسرائيل دولة يهودية ليس شرطاً لبدء المحادثات وانما لنهايتها». كما أعرب عن استعداده لاستئناف المفاوضات «دون شروط مسبقة» ومناقشة جميع القضايا على طاولة المفاوضات.
ولفتت صحيفة «هآرتس» الى أن نتنياهو طلب من موظفي الخارجية الاسرائيلية «تبنّي هذه التوجيهات أثناء عملهم». كما شدّد على أن السلام الاقتصادي ليس بديلاً عن السلام السياسي»، وأنه ينبغي التوصل الى اتفاق «يمنع أن تكون إسرائيل دولة ثنائية القومية، ولكن يوفر الاستقرار والأمن»، كي يمكن الاعتماد عليها واستمرارها.
مواقف نتنياهو أتت خلال لقائه الأول منذ تشكيل الحكومة الجديدة في الشهر الماضي، مع كبار مديري وزارة الخارجية، كونه يتولى هذه الحقيبة بانتظار انتهاء الملف القضائي لأفيغدور ليبرمان.
في موازاة ذلك، أرسل نتنياهو مبعوثه الخاص، يتسحاق مولخو، ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، التي التقى معها قبل ذلك لتنسيق المواقف، في زيارة خاطفة استمرت عدّة ساعات الى واشنطن، قدّما خلالها تحفظات اسرائيل، لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، ازاء المبادرة العربية.
بعد ذلك توجهت ليفني الى نيويورك للقاء الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. وبحسب مسؤول اسرائيلي رفيع، أراد الوفد فهم ما هو موقف كيري من طرح المبادرة العربية، وما هي خطته ازاء استئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ونقلت صحيفة «هآرتس» أن نتنياهو ومستشاريه المقربين يخشون من أن يتبنى كيري موقف ممثلي الجامعة العربية إزاء حدود الدولة الفلسطينية ومبدأ تبادل الأراضي، خصوصاً في ظل حالة اللا يقين والشكوك التي تسود في مكتب رئيس الوزراء، خصوصاً أن كيري كان يقف الى جانب رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم عندما تلى بيانه. كما يتخوف المسؤولون الاسرائيليون من أن تمس مبادرة الجامعة العربية بالموقف الاسرائيلي في أي مفاوضات مستقبلية مع السلطة الفلسطينية.
وبحسب مصدر اسرائيلي مطلع على النقاشات التي أجراها نتنياهو في اليومين الأخيرين، فإنه «ليس من الواضح له ولمستشاريه الى ماذا يسعى كيري وما هو موقفه من المبادرة العربية». وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أعلن في خطاب له في أيار 2011، أن حدود الدولة الفلسطينية ينبغي أن ترتكز على حدود العام 1967، مع تبادل أراض، بدون أن يتطرق لحجمها أو نسبتها.
وبعد عدة أيام، أوضح أوباما أيضاً أن حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية ينبغي أن تأخذ بالحسبان التغييرات الميدانية منذ العام 67، أي بمعنى وجود الكتل الاستيطانية الكبرى.
من جهة ثانية، اعتبر رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، في مقابلة مع القناة العاشرة، أنه «لا يمكننا تحت أي ظرف، ترك أي فرصة محتملة سوف تؤدي الى عودة محادثات السلام»، واصفاً ذلك بـ«الفرصة التاريخية، ولا يستطيع الكنيست أن يفوّتها». ودعا الى «قيادة اسرائيل لمحادثات سلام والتوقف عن البحث عن ذرائع».
أما رئيسة حزب «العمل» المعارض، شيلي يحيموفيتش، فدعت نتنياهو إلى الرد بإيجاب على دعوة رئيس وزراء قطر وممثلي الجامعة العربية في واشنطن. وأكدت أن هذه الأقوال قد تكون خطوة تمهِّد الطريق أمام تحقيق انطلاقة في العملية السياسية ويجب النظر إليها بجدية. كما اعتبر القيادي العمالي بنيامين بن أليعازير، موقف الجامعة العربية رسالة إيجابية جداً لإسرائيل، مؤكّداً أنّ حزب «العمل» سيدعم رئيس الوزراء إذا ما حصلت تطورات إيجابية على صعيد عملية السلام.