لم أتوقع حين اعتزمت الانتقال الى الدراسة في ألمانيا أن يكون طريقي يسيراً، بل تجهزت للكثير من المتاعب والتحديات، تلك التحديات التي تواجه أي مغترب عن وطنه وعائلته وبيئته التي يحب، ولكن بعدما بدأت طريقي، علمت أن ثمة ما يؤرقنا نحن الفلسطينيين، دوناً عن غيرنا من المغتربين في ألمانيا.
في أول إجراءات إثبات محل السكن في مبنى بلدية فرانكفورت، كانت البداية، وهو إجراء روتيني يتم بتقديم ملف يحتوي على اسمي وجنسيتي ومحل سكني. ذهب معي في ذلك اليوم صديق، وقال إنه سينتظرني في الخارج لأن الأمر لا يحتاج الى مساعدة في اللغة. كان علي أن أقدم الملف وأنتظر أن تنقل الموظفة بياناتي الى الحاسوب؛ ولكن الأمر كان بالنسبة إلي أكثر تعقيداً مما توقعنا، صديقي وأنا. فما يتم إنجازه في ثلاث دقائق استغرق في حالتي ما يزيد عن نصف الساعة، واضطررت أخيراً الى طلب مساعدة صديقي بالترجمة الذي أوضح لي، أن الموظفة تعتذر عن عدم وجود لجنسية فلسطيني في نظامها، وعليه كان علي أن أختار ما بين مصري وإسرائيلي أو عديم الجنسية.
من ذاك اليوم كتب على بطاقة تعريفي: الجنسية xxx. كان الأمر مدعاة للمزاح، فالقليل من الولايات الألمانية كانت قد اعترفت بفلسطين، وأضافت جنسيتها الى نظام حواسيبها، ما دعا أصدقاءنا المقيمين فيها الى الاستهزاء منا على أساس أنهم لم يعودوا عديمي الجنسية كما معظمنا، ولكن الأمر كانت له تبعات أخرى خصوصاً في ظل البيروقراطية الألمانية المعقدة. هكذا، كان هذا الموقف سبباً لرفض إحدى الشركات قبول طلبي للعمل لديها، بحجة أن طلب العمل لديهم محوسب بصيغة معينة، وأنه لا يمكن تجاوز خانة الجنسية. لا بل إنهم قالوا لي إنه وفي حال كتبوا لي جنسية أخرى، فإن هذا الأمر يعتبر مخالفة قانونية. هكذا، رفضت الموظفة طلبي آسفة وأظهرت استياءها من مواقف الحكومة غير العادلة.
كذلك كان الأمر سبباً لتأجيل دفع المساعدات المالية لصديق فلسطيني يعيش في ألمانيا كلاجئ، فعند ذهابه لتقديم طلب الحصول على المساعدة المالية التي يحصل عليها أي لاجئ في ألمانيا، واجهته المشكلة ذاتها. فبعد أن حاول الموظف جاهداً إيجاد اسم فلسطين في النظام، اعتذر وطلب منه تقديم مذكرة يصف بها الموقف وينتظر الرد، وبعد أسبوعين كان الرد أنهم أضافوا الى نظامهم مصطلح عديم الجنسية، واستطاع الحصول على المساعدات كون جنسيته مجهولة، أي xxx.
حبيبتي جنسيتي. لم أكن أعلم أنه في يوم ما ستشتركين في الوصف مع الأفلام الإباحية!