دمشق | لم يمض يوم على تفجير إرهابي حاول استهداف موكب رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي حتى نال الإرهاب من قلب العاصمة دمشق، حصته الجديدة من الضحايا البشرية والخسائر المادية. أمام المبنى التاريخي لوزارة الداخلية (السابق) اقتربت سيارة واصطدمت بالحاجز الإسمنتي المطوّق لبناء الوزارة لتنفجر مخلّفة 14 شهيداً و70 جريحاً وخسائر مادية كبيرة، في الأبنية المحيطة والمحال التجارية المكتظة التي تطل على بناء الوزارة من سوق «البحصة».عدد كبير من الناس هرع إلى المحال التجارية المتاخمة للاحتماء من صوت الرصاص الذي أطلقته الحواجز القريبة من ساحة المرجة، لتبتعد الجموع خوفاً على حياتها.
الهدف على ما يبدو هو ضرب العصب الاقتصادي لدمشق بسبب حساسية المكان الواقع في الطريق الواصلة إلى ساحة المرجة (ساحة الشهداء)، والتي تحتوي على عدد هائل من المحال التجارية والعيادات الطبية، إضافة إلى وجود بناء ضخم يضم مئات المكاتب والشركات المصغرة هو «برج دمشق»، والذي عانى هو الآخر من انهيار معظم زجاج مكاتبه مخلفاً جرحى ممن كانوا داخل المكاتب والمارة في الشارع.
أحد أصحاب المحال التجارية قال لـ«الأخبار»: «لجأنا إلى الداخل لأن التفجير أهال علينا حطاماً كبيراً من الزجاج جرح البعض وقضى على البعض الآخر، الطريف أن لصوصاً لم يهتموا لحجم الدمار وبدأوا بسرقة محال وبسطات الشهداء... كما رأيناهم من خلف الأغلاق المثقبة».
عاد الموت إلى العاصمة في توقيت «لئيم»، يتجه خلاله معظم السوريين لجلب حاجيات السفر من أجل العطلة الرسمية التي أعلنتها الحكومة منذ اليوم الأول من أيار حتى اليوم السادس. عطلة حشدت الأطفال والنساء قرب بناء تاريخي يعود للحقبة الفرنسية وجد منه الإرهاب هدفاً ليعيد الرعب إلى ما تبقى من آمنين هناك.
البناء الرخامي الذي تصدّع تماماً، أخلته وزارة الداخلية منذ فترة وجيزة لتنتقل بطاقمها إلى موقع جديد هو أوتستراد المزة، حيث استُهدف البناء أيضاً بتفجير في كانون الأول الماضي. «لم تكن المشكلة في الأبنية إنما بالذهنية التكفيرية التي يلجأ إليها هؤلاء لضرب أي مؤسسة تابعة للدولة، لأنها تمثل النظام. لا يعنيهم أمر المواطنين الأبرياء»، يعلق أحدهم بينما يزيل آثار الدماء من الرصيف المواجه لموقع التفجير.
ضربة موجعة سددها الموت في مرمى الحياة السورية، الدم يغتال عاصمة الشام وعدّاد الرعب أتى على كل شيء. في المرجة سوريون ينتظرون انتهاء معاملاتهم في مؤسسات رسمية، أو ربما يبحثون عن ملجأ هنا أو من يساعدهم هناك، لأن المعروف عن ساحة المرجة قدرتها على احتواء أطياف مختلفة من التجارة والبسطات ومطاعم الوجبات الرخيصة. «انتظرت ابني ليجلب ورقة من الترجمان المحلف بالقرب من هنا، لكنه مضى حين أخطأ بالطريق نحو شارع وزارة الداخلية»، يقول أبو هائل، الرجل السبعيني الذي كان يجلس في مقهى قريب من مكان التفجير. جاء من شمال سوريا ليساعد ابنه الجامعي على السفر، لكنهم طلبوا منه ترجمة شهادته الدراسية مع الأوراق، فترجمه الموت إلى لغة ضد الحياة.
الزجاج المحطم ضرب معالم ضخمة مثل فندق «الفراديس»، والهلع جعل من استقبال الصيف فرصة طويلة للعويل. في زاوية الشارع وقفت امرأة تبحث عن ابنها، وأخرى تجمع ما تبقى من ثياب صديقها. «مشهد القتل المجاني لصالح مين غير إسرائيل والقاعدة؟»، يسأل أحد العابرين، بينما يستمع المتجمهرون لمسؤول أمني يعد المتضررين مادياً بالتعويض الكامل عن خسائرهم.
صوت الدولة الرسمي جاء فوراً ليقطع المشهد، إذ أكد وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم الشعار، «أنّ قتل المدنيين وتخريب البنية التحتية دون تمييز هو هدف الإرهابيين وسادتهم في أميريكا وإسرائيل».
يبدو أنّ اختراقات أمنية كبيرة تضرب العاصمة، لم يتحدث عنها أحد. لا نتائج تذكر لتحقيقات جدية حول التفجيرات الإرهابية، التي تحدث بشكل دوري في توقيت ازدحام بشري وضمن مربعات أمنية في غاية الخطورة والتحصين.