لم يعد ممكناً للأخضر الإبراهيمي الاحتفاظ بقبعتين ولسانين بعدما أحرجته قمة الدوحة العربية. مقرّرات أريد بها نسف وثيقة «جنيف»، التي تبقى الأساس لأيّ تفاهم دولي حول الأزمة السورية. والإبراهيمي لكي يواصل أداء دور تقبل دمشق به، لا بدّ أن ينزع كوفيته القطرية، وأن يتخلى عن لسان نبيل العربي، وأن يصبح مبعوثاً دولياً يجمع ما تتفق عليه واشنطن وموسكو ودمشق وطهران، وربما أيضاً القاهرة. وقال الإبراهيمي، أمس، إنّه مستمر في مهمته ولن يستقيل، مع أنه يفكر في الاستقالة ثلاث مرات في اليوم. وأضاف أنّه أبلغ مجلس الأمن الدولي أن الأزمة السورية هي أخطر ما يواجهه العالم من أزمات، وأن على السوريين إيجاد الحل لها في أسرع وقت ممكن بمساعدة المجتمع الدولي. وقال دبلوماسيون إن الإبراهيمي عرض في مجلس الأمن التطورات الأخيرة في سوريا، وخلص إلى أنّ الرئيس السوري بشار الأسد «غير مستعد للحوار» حتى الآن. وشدّد على أنه لمواجهة هذا المأزق لا بد من أن يتبنى المجلس موقفاً واحداً. وعرض الإبراهيمي على الدول التي لها تأثير على دمشق، «أن تطلب منه عدم القيام بذلك»، وفق دبلوماسي.
في السياق، لم يستطع مجلس الأمن بلورة موقف جديد مخالف لوثيقة «جنيف»، فخرج بعناصر للصحافة، لا ترقى إلى مستوى بيان صحافي أو رئاسي للمجلس. العناصر كرّرت ما ورد في «وثيقة جنيف»، فضلاً عن أنّ تحبيذ إدخال مساعدات إنسانية للسوريين من طرق غير رسمية عبر الحدود حيث ما يكون مناسباً، شرط أن تكون عبر منظمات دولية. وطالبوا برفع أي عوائق من أمامها من دون توجيه اتهامات إلى هذا الطرف أو ذاك. ودعموا مقترحات وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فاليري آموس المطالبة برفع الحواجز البيروقراطية من أمام قوافل المساعدات. وهي مساعدات بقيت ضئيلة، بل بائسة في وقت يتضاعف فيه عدد النازحين شهراً بعد شهر. كان مبلغ المليار ونصف المليار دولار الذي أقر في مؤتمر الكويت يكفي لمدة ستة أشهر للنازحين حتى ما قبل ٣ أشهر. واليوم تضاعف العدد ولم يسدد سوى نصف المبلغ.
واتفق أعضاء المجلس على أنّ الأزمة السورية تهدّد استقرار دول الجوار، وشدّدوا على أهمية مساعدة تلك الدول لاستيعاب الأعباء المترتبة عليها، والعبء الأمني قد يكون أكثر إلحاحاً من العبء الاستيعابي للنازحين.
في سياق آخر، حذّر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، من أنّ تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الأردن قد يؤدي إلى تعميق الأزمة في سوريا المجاورة. وتابع الدبلوماسي قائلاً: «سبق أن أشرنا مراراً في تعليقاتنا إلى هذه الأنباء وإلى المعلومات بشأن تدريب مقاتلي المعارضة السورية في دول مجاورة. وقد أكد هذه الوقائع وزير الدفاع الأميركي الذي تحدث أخيراً خلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي. كذلك رأينا تقارير بهذا الشأن في العديد من وسائل الإعلام البريطانية».
ورأى الدبلوماسي أنّ هذه الخطوات تعارض الالتزامات السياسية والمواقف التي اتفق عليها اللاعبون الخارجيون الأساسيون في التسوية السورية، خلال اجتماعهم في جنيف في العام الماضي. ورأى أنّ المتطرفين الذين يكتسبون خبرة قتالية في سوريا اليوم قد يتحوّلون إلى بلد آخر في ما بعد.
في موازاة ذلك، عبّرت المعارضة السورية عن أملها أن يثمر اجتماع «أصدقاء سوريا» المقرّر اليوم في إسطنبول عن إقرار تسليح مقاتلي المعارضة. وقال مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية شارك في الاجتماعات التمهيدية في إسطنبول إن اليوم سيشكّل «نقطة تحوّل». وأضاف أن «السبب الرئيسي لهذا الاجتماع يتمثل في تسليح مقاتلي المعارضة السورية. وقد اعترفت (مجموعة أصدقاء سوريا) بحقنا في الدفاع عن أنفسنا، وعليها الآن أن تمدّنا بالوسائل اللازمة».
ولم يرِد المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن يصرّح رسمياً بأنّه جرى التوصل إلى اتفاق. ورأى أنّ دولاً خليجية مثل السعودية وقطر ستتولى مهمة إرسال الأسلحة والذخيرة، بينما ستركّز الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى على مهمات التدريب والمساعدات غير المميتة.
في المقابل، قال دبلوماسيان غربيان إنّ الغرض الرئيسي من الاجتماع ليس الموافقة على إرسال شحنات أسلحة. وذكر دبلوماسي أنّ من بين الأهداف الرئيسية للاجتماع الحصول على التزامات واضحة من «الائتلاف» باتخاذ موقف صارم ضد التشدّد وتعزيز وحدة صفوفه والتخطيط لما بعد رحيل النظام. وقال دبلوماسي آخر إنّ «الاجتماع لا يتعلق بتسليح مقاتلي المعارضة. فقد سارع البعض في استنتاج ذلك، بمن فيهم السوريون، ولكن هذا الاجتماع لا علاقة له بالأسلحة».
ومع ذلك، كشف مسؤول أميركي أن واشنطن تعتزم تقديم مساعدات جديدة إلى المعارضة السورية بنحو مئة مليون دولار، وهو ما قد يعني زيادة المساعدات العسكرية غير المميتة لجماعات مقاتلة محددة، تشمل دروعاً واقية للجسد وأجهزة للرؤية الليلية. وأضاف المسؤول إن من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري مجموعة المساعدات الجديدة في مؤتمر إسطنبول اليوم.
في السياق، طالبت الحكومة الألمانية القوى السورية المعتدلة بالابتعاد عن الإسلاميين الراديكاليين. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، أندريس بيشكه، أنه «يجب على الائتلاف أن يبتعد بوضوح عن المجموعات الإسلامية العاملة داخل المعارضة.
إلى ذلك، صرح الأمين العام للحلف الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، في مؤتمره الصحافي الشهري، بأن الحلف لا يخطط لفرض منطقة حظر للطيران فوق جزء من الأراضي السورية لتأمين تركيا. وقال راسموسن: «لا توجد لدينا مثل هذه الخطط، لكن من البديهي أنه في حال تصعيد الوضع، فإن تأمين حليفنا يعتبر من التزاماتنا كحلف عسكري». وأضاف: «لا أتوقع تغييراً في الموقف حيال سوريا، وهو يتلخص في أن هذا النزاع له حل سياسي فقط». وتابع قائلاً إن مهمة الناتو في تركيا ترمي إلى «تأمين سكان هذا البلد» من قصف صاروخي محتمل من داخل سوريا، ولذلك نُشرت صواريخ باتريوت التابعة لنا هناك».
من ناحية أخرى، توجّه الملك الأردني عبد الله الثاني أمس إلى الولايات المتحدة ليبحث مع الرئيس باراك أوباما «تداعيات الأزمة السورية وجهود تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين». وبحسب بيان صادر عن الديوان الملكي، غادر الملك «في زيارة عمل إلى الولايات المتحدة يعقد خلالها في 26 نيسان الحالي لقاء قمة في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)