عمان ــ الأخبار يعتدّ النظام الأردني، تقليدياً، بقدرته على تأمين ضخّ الأموال في اقتصاده عن طريق الإعالة الخارجية، كمبرر لشرعيته الواقعية. ويستسهل، بالمقابل، تفسير الأزمات بنقص المساعدات التي لا يني يطالب بها من الغرب والخليج، لكن شروط المانحين، بعد اضطرابات «الربيع العربي» والأزمة السورية، أصبحت قاسية جداً، وتمسّ الأمن الوطني الأردني، خصوصاً في مجالين، الوطن البديل في صيغة داخلية أو كونفدرالية والتدخل في سوريا، الذي من شأنه توريط البلد في الفوضى. وربما يكون هذان المطلبان واقعين في سياق واحد.
بلغ العجز المالي في الموازنة العامة لسنة 2012، بعد المساعدات الخارجية المحتملة وليس قبلها، حوالي مليار وخمسمئة وسبعين مليون دولار، بينما بلغ عجز المؤسسات العامة المستقلة (مرافق الكهرباء والمياه خصوصاً) حوالي مليار وأربعمئة وعشرين مليون دولار أخرى، بإجمالي عجز بلغ حوالي الثلاثة مليارات دولار، وحين يضاف إليها حوالي 700 مليون دولار من العوائد المقدرة المفقودة، فإننا أمام فجوة تمويلية ــ بعد المساعدات ــ تبلغ حوالي ثلاثة مليارات و700 مليون دولار
الأخطر أن هذه الفجوة التمويلية تساوي، بالضبط، حجم الفوائض المتوفرة لدى الجهاز المصرفي المحلي. وهو ما يعني أن الادخار الوطني، وتالياً الإمكانات الاستثمارية المحلية لدى القطاع الخاص، في حالة سالبة. وفي الحقيقة أن القروض البنكية للحكومة في السنوات الخمس الأخيرة ــ ذات الفوائد المرتفعة ــ هي التي استنزفت الادخار الوطني. وأمام مصاعب الاقتراض من السوق الدولية، اضطرت الحكومة الأردنية إلى طلب قرض عاجل من صندوق النقد الدولي بقيمة ملياري دولار. وهو ما رفع المديونية العامة إلى حوالي 24 مليار دولار، تشكل أكثر من 65 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. ومن المعروف أن أزمة المديونية العامة تتفاقم، بالأساس، ليس من حيث أرقامها المطلقة، ولكن من حيث نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي المتجه نحو الهبوط إلى ما بين 2 و2 ونصف بالمائة.
لكن المشكلة التالية هي أن قروض صندوق النقد الدولي، كما هو معروف، مرتبطة بشروط إزالة الدعم الحكومي عن السلع والخدمات المدعومة. وهو ما يلقى مقاومة شعبية، كما حدث في تشرين الأول 2012. ويظل الانفجار الاجتماعي السياسي الحقيقي المقبل مرتبطا بما سينجم عن تفاعلات تدهور سعر صرف الدينار، والارتفاعات المتوقعة في أسعار السلع الأساسية، في ضوء اشتراطات صندوق النقد الدولي.
كل ذلك يقودنا إلى استنتاج سياسي رئيسي هو أن البديل الذي اعتمدته الحكومات الأردنية، تقليدياً، في تغطية عجزها المالي المتفاقم، قد وصل إلى طريق مسدود. ليس فقط لأنّ الغرب مأزوم مالياً، بينما تحوّل الخليج إلى مقايضة أكثر ما يمكن من السياسة بأقلّ ما يمكن من الدعم المالي، بل لأنّ الغرب والخليج قطعا شوطاً في نهج توجيه الدعم المباشر للأدوات السياسية والإعلامية والميليشيات المحلية على حساب دعم الحكومات.
تدرك المملكة العربية السعودية حجم الأزمة المالية والاقتصادية الأردنية. والأخيرة تفاقمت بسبب الأزمة السورية التي ضربت التعاملات الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية ــ وهي أكثر بما لا يقاس ــ بين البلدين. وهي تضغط بقوة لإرغام عمان على الخضوع لسياساتها مقابل المساعدات.
يكمن الحل طبعاً في تغيير النموذج الاقتصادي النيوليبرالي القائم، نحو بناء اقتصاد عادل يعتمد على عملية تنموية وطنية تشتمل على احياء الاقتصاد الريفي وبناء صناعة محمية في ظل الديموقراطية الاجتماعية، كما على التكامل الاقتصادي مع جاري الأردن، العراق وسوريا.
العراق يتدخّل بقوة للتوصل إلى بناء قاعدة صلبة للتكامل بين البلدين، في شتى المجالات، لكن أهمها يكمن في مشروع أنبوب نفط البصرة ــ العقبة الذي من شأنه تزويد الأردن باحتياجاته من النفط بأسعار تفضيلية، وتاليا تحريره من عبء الفاتورة النفطية الضخمة التي تضغط على اقتصاده، وكذلك تأمين دخل للخزينة الأردنية يصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار عوائد مرور ما يزيد على مليوني برميل نفط يومياً، لكن هذا المشروع لن ينجز قبل ثلاث سنوات، بينما يحتاج الأردن، حالياً، إلى ما يمكن وصفه بأنه عملية انقاذ مالي على شكل ودائع ومنح بما لا يقل عن أربعة مليارات دولار، يبدو أنّ العراقيين ليسوا مستعدين حتى الآن للقيام بها.