القاهرة| بينما يعول النظام المصري إلى مدى بعيد على تلك «الثقة» التي يُفترض أن يبثها صندوق النقد الدولي في نفوس المستثمرين حيال أوضاع الاقتصاد واستقراره في البلاد، يميل الصندوق الدولي إلى وضع هذا النظام أمام مسؤولياته بصرامة، حتى إذا وقّع أخيراً على الاتفاق بشأن القرض، الذي يجري التفاوض عليه منذ نحو سنتين. على الأقل هذا ما قد يُفهم من تصريحات مدير إدارة الأسواق النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي، جوزيه فينال، الذي قال إن مصر يتعين عليها في ما يتعلق بالتعرض الكبير للأوراق المالية الحكومية ان تبني الثقة في الدين الحكومي نفسه. وأوضح أن «القضايا الاقتصادية في مصر مهمة للغاية ولدينا (في صندوق النقد) مناقشات مع السلطات هناك، ومن الضروري طبعاً وجود مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تسعى إلى تحقيق مالية عامة سليمة، لكن لا يزال ثمة أوجه لعدم اليقين السياسي في المقابل.. هذا ما ينبغي ان تعالجه السلطات، فلا بد في هذا السياق من استعادة الثقة.. وهو أمر لا يتعلق بقضايا الاقتصاد فقط بل بالقرارات السياسيه كذلك». وقال فينال «إن استعادة الثقة هي التي ستسهم في مساندة العملة والنظام المصرفي في مصر».
ولا يمكن الاستناد إلى بيانات متفائلة من صندوق النقد الدولي حيال مستويات النمو المتوقعة العام الحالي، على نحو يمكّن الحكومة من الركون اليها في دعايتها برخاء في الأفق القريب. على سبيل المثال، كما كان يحدث إبان فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وخاصة أن آخر تقرير للصندوق حول نتائج زيارة وفد فني إلى البلاد قبل الثورة مباشرة حمل دعماً كبيراً لإجراءات الحكومة آنذاك ـــ عام 2010.
يبدو هذا جلياً في تصريحات متتالية لمسؤولين وخبراء بارزين في صندوق النقد الدولي خلال الأيام الماضية، مع بدء أعمال اجتماعات الربيع المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدوليين، في العاصمة الأميركية واشنطن.
لقد أفاد صندوق النقد بأن توقعاته بشأن النمو الاقتصادي في مصر ودول الربيع العربي تبقى في إطار «اعتدال محدود عام ٢٠١٣»، حسب تعبير رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية العالمية في ادارة البحوث توماس هيلبلينغ. وأوضح الصندوق أنه «بالنسبة إلى مصر واقتصادات الدول المستوردة للنفط فقد كان عام ٢٠١٢ صعباً.. هذه البلدان تمر بمرحلة تحول وتشهد حكومات جديدة في الوقت الذي شهدت فيه انخفاض في أداء أنشطة اقتصادية.. نتوقع ان يستقر الوضع مع المحاكمات الجديدة واتباع سياسات اقتصادية جديدة».
أما هيلبلينغ، فقال، في تصريحات صحافيه، إن «الأوضاع في مصر على صعيد القطاع الخارجي صعبة... فأورو لا تزال تواجه تباطؤاً اقتصادياً... هذا ما أقصده بالصعوبات في المناخ الاقتصادي الخارجي لمصر (بما تعنيه من تراجع في الطلب على الصادرات المصرية)، كما ان أسعار البترول لا تزال عالية».
أما تقرير توقعات ثمار النمو، فقد توقّع أن تحقق مصر نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا يزيد على اثنين في المئة، وبالرغم من أن توقعاته حيال هذا النمو عام ٢٠١٤ ترتفع إلى ٣،٣ في المئة، الا ان هذا النمو لا يُظهر أن ثماراً «ستتساقط» على الفقراء على أي نحو، لكونه سيتضمن ارتفاعاً في معدلات التضخم، وصولاً إلى ١٣،٧في المئة في هذا العام، قياساً إلى ٨،٢ في المئة في العام الماضي. كذلك سيكون هناك ارتفاع في معدلات البطالة وصولاً إلى ١٤،٣ في المئة قياساً إلى ١٣،٥في العام الماضي. وهو ما يعني ان مرسي يواجه إرهاصات الثورة التي واجهها مبارك في السنوات الأخيرة في ظل معدلات نمو متزايدة وقتها.
ما يعزز من هذا الخطر أن الرسالة الرئيسية وربما الوحيدة التي يبدو أن الصندوق يحملها إلى مصر، هي إلغاء نظام الدعم السلعي على نحو قد يفاقم من أوجه الشبه بين تجربتي مبارك ومرسي.
وفي هذا السياق، قال مدير وحدة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، كارلو كوتاريللي، إن مصر هي إحدى الدول التي تحتاج إلى المزيد من الإصلاحات المالية العاجلة، مشيراً الى ضرورة اتخاذ مصر قراراً بإصلاح الدعم للطاقة.
بدورها، مساعدة مدير الوحدة، مارتين جويرجويل، أكدت أن مصر، التي تنفق جانباً كبيراً من إيراداتها على نظام الدعم السلعي، تعرضت لضغوط كبيرة ناجمة عن الارتفاع في أسعار وارداتها من المواد البترولية والغذائية «على نحو لم يترك أي مجال مالي آمن إضافي يمكن الاستناد اليه».