لم يمنع الإعلان عن ارتفاع عدد قتلى اشتباكات «فتنة الخصوص»، التي اندلعت أول من أمس أمام محيط الكاتدرائية المرقسية التابعة للأقباط الأرثوذكس في القاهرة خلال تشييع جثامين الأقباط إلى اثنين وأعمال العنف المتقطعة التي استمرت أمس لليوم الثاني على التوالي، من محاولة مصر التقاط مصر أنفاسها ولو إلى حين.
فملابسات الفتنة الطائفية، التي تخللها للمرة الأولى الاعتداء على مقر الكنسية القبطية، وصفت بأنها بداية اللعب في الخطوط الحمراء للبلد وشرارة تحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، ولا أحد يتوقع أن تنجلي في القريب العاجل بالرغم من إعلان النيابة فتح تحقيق في الحادث. فها هي أحداث فتنة دهشور في البدرشين، التي تجددت الأسبوع الماضي بعد أشهر من اندلاعها، من دون حل جذري. ولذلك فإن عدم تكرار الفتنة سواء في الخصوص أو أي منطقة مصرية أخرى لن يكون أمراً مضموناً بالرغم من تأكيد الرئيس المصري محمد مرسي، في اتصال هاتفي بالبابا تواضروس بطريرك الاقباط الأرثوذكس، أن «أي اعتداء على الكاتدرائية اعتداء عليه شخصياً»، وتأكيد مصدر كنسي أن البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي سيتلقى التعازي يوم الخميس المقبل بالضحايا، ألّف لجنة ثلاثية لمناقشة الأحداث الجارية مع مرسي.
أما الشرطة، التي بثّ شريط مصور على الانترنت لأحد عمدائها يحاول امتصاص غضب المتظاهرين الأقباط الموجودين أمام الكاتدرائية المرقسية، بقوله «دي حكومة بنت ...»، فانتشرت بكثافة حول كاتدرائية القديس مرقس في محاولة للحفاظ على هدوء نسبي لم يحل دون تجدد الاشتباكات ولو بوتيرة أخف، وذلك بعد ليلة دامية سجلت فيها أعمال عنف متقطعة. ووفقاً لما نقلته «بوابة الأهرام»، تبادل «شباب أقباط اعتلوا سطح الكاتدرائية مع مجهولين فوق أسطح البنايات المجاورة التراشق بزجاجات المولوتوف والحجارة، وأطلق الأمن قنابل الغاز لمحاولة تفريقهم وفض الاشتباكات بينهم».
هذا الهدوء الميداني النسبي، قابله استمرار الاتهامات للداخلية وجماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن الاشتباكات. وفي أول تحرك لمجلس كنائس في مصر بعد تأسيسه، أصدر المجلس أمس بياناً أدان فيه «الاعتداء على الكاتدرائية المرقصية لأول مرة في التاريخ»، معتبراً إياها أنها «تمثل رمز المسيحية في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط. وإحدى الكنائس المسيحية الكبرى في العالم كله». وطالب «بضرورة تطبيق القانون على الجميع والضرب بيد من حديد على كل من يعبث بوحدة الوطن».
تأكيد المجلس أن «أعضاءه يتابعون عن كثب نتائج التحقيقات التي تجرى في هذا الشأن، للوصول الى الحقيقة الكاملة، ومعاقبة المسؤولين عنها والمحرضين عليها»، قابله اعتبار الصحافي والناشط القبطي في الإسكندرية صفوت صلاح «أن الصور معروفة ومعروضة للمعتدين على الأقباط والكاتدرائية، وما حدث تم برعاية الداخلية». وجاءت اتهامات صلاح فيما تداول نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» شريطاً مصوراً نشره الناشط مبروك حمدي يظهر أحد البلطجية، ويدعى كريم بسكونة، على أنه من بين الذين هاجموا الأقباط أول من أمس أمام كاتدرائية العباسية. وأضاف «كريم بسكونة كان من سنة بيشتغل مع المجلس العسكري والنهاردة بيشتغل مع الإخوان وكان مع اللي بيسموهم مجهولين»، متهماً بسكونه بأنه «شارك في قتل 12 السنة اللي فاتت والنهاردة (أول من أمس) اتقتل واحد ولسة النزيف مستمر».
أما الأب لوقا عبد المسيح، راعي كنيسة العذراء والقديس يوحنا الأرثوذكسية بجناكليس، فاختصر شعور الأقباط تجاه ما يجري بالقول «لأول مرة أعيش إحساس الغربة في وطني، لكننا نحن الأقباط لن نترك هذا البلد»، مبيناً أن حل المسألة يكمن في رحيل الإخوان عن الحكم وتفعيل دولة القانون وإقامة الدولة المدنية. وتساءل «هل يظن الإسلاميون أنفسهم أنهم أنبياء الله على الأرض ؟».
هذا الموقف من جماعة الإخوان المسلمين وتحميلها المسؤولية ولو السياسية عما يحدث، قابله اعتبار محمد سويدان، الأمين العام للعلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية، أن ما حدث أمام الكاتدرائية كان رد فعل من أهالي العباسية لتعدّي بعض من كانوا في الجنازة على سيارات لأهالي المنطقة المعروفين من أيام الثورة وحكم المجلس العسكري بأنهم ضد التظاهر في منطقتهم. واستند، على غرار الناشط القبطي صفوت صلاح، إلى المقاطع والصور، قائلاً الصور كشفت أن أشخاصاً استخدموا الأسلحة والخرطوش والمولوتوف ضد المتظاهرين من فوق سطح الكاتدرائية، وكأن هناك نية مبيتة لاستخدام العنف.
وتساءل سويدان «ما علاقة الإخوان بالأحداث؟ ولماذا لم يقم القساوسة بتهدئة الناس، بدلاً من الهتاف من على أعناقهم ضد الإخوان؟»، معتبراً أن «هتافات مثل «إنسى القبطي بتاع زمان بكرة حنضرب في المليان» خطيرة وجديدة على الساحة القبطية». ورأى سويدان أن على الأزهر والبابا تاوضروس الثاني التدخل وتهدئة الموقف، مع تفعيل دولة القانون ومحاسبة كل المتورطين في الأحداث والتخريب، رافضاً الاستياء الذي قوبل به بيان الرئاسة من بعض الأوساط، وواصفاً البيان «بالمتوازن»، «فنحن في وسط فتنة اشتغلت».
أما حسين إبراهيم، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، فرأى على صفحته في موقع «فايسبوك»، أنه «يخطئ من يظن أن إثارة الفتنة الطائفية تسقط نظاماً يحكم... نار الفتنة الطائفية إذا اشتعلت في مصر ﻻ قدّر الله ستحرق الجميع». وتساءل «من المستفيد من أحداث العنف في الخصوص وما بعدها أمام الكاتدرائية في العباسية وما قبلها أمام دار القضاء العالي واﻻتحادية ومقار اﻷحزاب ومسجد القائد إبراهيم؟». وأضاف «من يعط الغطاء السياسي للعنف يتحمل المسؤولية السياسية واﻻخلاقية، وعلى العقلاء من أبناء الوطن توحيد جهودهم لمواجهة اﻷزمات وحلها من خلال حوار جاد وبنّاء، وليس بإثبات مواقف عبر شاشات الفضائيات».