القاهرة | قضاء منقسم، إضرابات تشل البلاد، واحتجاجات لا تلبث أن تهدأ حتى تتجدد على وقع أزمات متفاقمة، يبدو الرئيس محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل الغائبين الأكبر عنها. وفيما تبدو الرئاسة والحكومة غير معنيتين بكل ما يحدث من تطورات متسارعة، بالتزامن مع غرقهما في لقاءات مع مسؤولين دوليين، في مقدمهم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون. لقاء من المرجح أن مرسي سمع خلاله رسائل واضحة على غرار تلك التي ربط فيها نواب الاتحاد الأوروبي قبل فترة وجيزة أي مساعدات مقبلة لمصر بضمان التحول الديموقراطي ومشاركة جميع أطياف المعارضة الذين التقتهم الوزيرة الأوروبية أيضاً أمس، على وقع يوم قضائي عاصف. ففي الوقت الذي طالب فيه مجلس القضاء الأعلى، في اجتماعه، النائب العام المستشار طلعت عبد الله بالعودة إلى عمله كقاض وترك منصبه لإنهاء الأزمة، وذلك بعد أيام من الحكم القضائي الصادر قبل أيام بإبطال تعيين النائب العام الحالي، أصدر عبد الله أول قرار له بعد هذه المناشدة، قاضياً بتجديد حبس الرئيس السابق حسني مبارك 15 يوماً على ذمة التحقيق في القضية المتهم فيها بالاستيلاء على مليار و100 مليون جنيه من الموازنة العامة للدولة خلال سنوات حكمه الأخيرة وصرفها على قصوره.
وإن كان عبد الله أراد من خلال خطوته القول إنه لا يأبه لما يصدر عن المجلس الأعلى للقضاء، رأى الفقيه الدستوري بهاء أبو شقة أن المجلس الأعلى للقضاء من حقه أن يصدر مثل هذا القرار، باعتباره الجهة المهيمنة على شؤون القضاء، طبقاً لقانون السلطة القضائية، ولذا لا بد من احترام قراره أياً كان. وحذّر من حدوث صراع قانوني على المستوى الزمني القريب قد يستتبعه صراع سياسي أيضاً»، ما سيضيف مزيداً من اللاشرعية على القرارات التي يصدرها النائب العام في المستقبل. ولذلك أعرب أبو شقة عن أمله «أن تحترم مؤسسة الرئاسة والمستشار طلعت إبراهيم قرارات المجلس الأعلى للقضاء» حتى لا تضيع هيبته.
في المقابل، رأى المستشار، عاشور أحمد عبد المنعم، أن النائب العام الحالي موجود بشكل شرعي ودستوري، «ولا يحق لمجلس القضاء الأعلى أن يتدخل أو أن يصدر قراراً بشأنه». ويرى عاشور أن الانتماءات والميول السياسية هي المؤثر الآن على العديد من القضاة وهي التي تتحكم بأحكامهم وقراراتهم، ما بين مؤيدين للرئيس أو معارضين.
وسبق أن شكلت أزمة النائب العام شرخاً بين القضاء المصري والرئاسة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، لذلك صدر بيان المجلس الأعلى للقضاء بنبرة توفيقية من أجل حل الأزمة دون أضرار تضمن التمني على النائب العام العودة إلى القضاء وترك منصبه.
وبالتزامن مع الجدل القضائي، كان النائب العام يصدر قراراً بتجديد حبس مبارك دون استجواب، بالرغم من أنه لا يجوز تجديد حبس أي مواطن دون أن يسبق القرار استجواب. وهي خطوة رأى فيها المراقبون محاولة لتجنب الغضب الشعبي الذي قد ينفجر إذا ما أفرج عن مبارك في الأيام القليلة المقبلة، بعدما أكد فريد الديب، محامي الرئيس السابق، أن الإفراج سوف يصبح «وجوبياً» عن موكله في يوم الجمعة المقبل، بعدما أمضى عامين قيد الحبس الاحتياطي، وهي أقصى مدة يسمح بها بحسب القانون المصري، ما لم تصدر أحكام أخرى ضده حتى ذلك التاريخ.
في المقابل، قضت محكمة جنايات القاهرة، أمس، ببراءة المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، من تهم الفساد وإهدار المال العام في وزارة الطيران التي كان يتولاها، وذلك في استمرار لمسلسل إفلات رجال مبارك من العقاب في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين والنائب العام الذي زعم مرسي أنه جاء به إلى منصبه لاستكمال أهداف الثورة. وهي أهداف لم يثبت أن مرسي نجح في تحقيق أي منها، بما في ذلك تحقيق المطالب الاجتماعية التي تتصاعد، وآخرها إضراب عمال السكك الحديدية المصرية أمس بطول خطي الوجه القبلي والبحري، الذي شل حركة القطارات، ودفع رئيس السكك الحديدية إلى الاستعانة بالجيش في محاولة لفض الإضراب في أحد أكثر قطاعات الدولة حساسية.
وتسبب إضراب العمال، الذين يرفضون العودة إلى العمل قبل تلبية مطالبهم، وبينها الحصول على حوافز الراتب، بحدوث شلل تام في حركة التنقل عبر القطارات المصرية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع اشتباكات بين العمال والركاب، لم يكن الجيش غائباً عنها. إذ تدخلت الشرطة العسكرية إلى جانب شرطة الداخلية في محاولة منهم لفض الاشتباكات بعدما استخدم الركاب العصي لإجبار السائقين على العمل. لكن الاشتباكات لم تكن السبب الوحيد وراء تدخل الجيش، بعدما طلب حسين زكريا، رئيس هيئة السكك الحديدية، من الجيش المصري فض الإضراب والاستعانة بسائقي قطارات من القوات المسلحة بديلاً من المعتصمين. وهدد بإحالة المضربين إلى النيابة العامة.
وهو مطلب أثار استياء حسين عبد الرازق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع اليساري المصري، الذي شدد على ضرورة ألا يتورط الجيش في مواجهة مجموعة من العمال يتظاهرون من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة.
وبالرغم من تأكيده أن مثل هذا الإضراب يؤثر سلباً على مصالح المواطنين، ولا سيما أن مرفق السكك الحديدية هو الوسيلة الأكثر استخداماً في مصر لانتقال المواطنين بطول القطر، ولنقل البضائع إلى مختلف المحافظات، حمّل عبد الرازق المسؤولية والخسارة عن مثل هذه الاضرابات لأصحاب القرار بمصر وحدهم. وأكد أن النظام الحالي كسابقه يستغل الطبقات الاجتماعية الفقيرة كفئة العمال دون الاستجابة لمطالبهم المشروعة.
وجاءت تطورات أمس لتطغى على حالة الكر والفر التي أصابت محيط دار القضاء العالي في القاهرة أول من أمس، على أثر تظاهرة حركة «6 أبريل» إحياء لذكرى تأسيسها الخامسة. وشهد محيط القضاء العالي طوال ساعات أول من أمس اشتباكات بين الأمن والمحتجين، تبادل فيها الطرفان أعمال العنف. وبدأت الاشتباكات بعد محاولة المتظاهرين اقتحام دار القضاء العالي. ويؤكد عبد الرازق أن السلطة الحاكمة ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين ورئيس الجمهورية تسعى بكل الأشكال، وخاصة الأمنية، لتنفيذ خطتها ومنهجها، في محاولة الاستيلاء على مفاصل الدولة ومؤسساتها. وأضاف «هم يرون ضرورة القضاء على أي أشكال للمقاومة، متصورين أن السلاح الرئيسي لحماية مخططاتهم هو القمع الأمني في مواجهة معارضيه». وحذر من أنه يجب على مرسي «أن يدرك أن النتيجة ستكون عكسية، والعنف سيولد عنفاً مقابلاً له.