عمّان | بات واضحاً اليوم في عمان أن الأردن لا يدير سياسة خاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية. ولكنه يحاول التواؤم مع أدوار إقليمية ودولية يتم اقتراحها عليه، أو تحديدها له، وأن الأمر تعدى مجرد لعب دور المضيف الحدودي لحركة اللاجئين السوريين، إلى مناقشة (وربما تقديم) المساهمة الأردنية في ثلاثة اتجاهات هي: تدريب مجموعات مسلحة مرتبطة بمخططات الولايات المتحدة وحلفائها حول سوريا، وطبيعة المشاركة الأردنية في أي عملية عسكرية مقبلة (قد يكون الإعداد لها بلغ مرحلة متقدمة)، وإيجاد «المنطقة العازلة» بواحدة من الصيغ العديدة، التي يجري تداولها.
ومن اللافت ان الإشارات إلى ذلك جاءت منذ بداية الشهر الماضي، وقبل انعقاد قمة الدوحة التي تردد أن الأردن أظهر تردداً وموقفاً مختلفاً عن عتاة خصوم سوريا العرب، وما تبع القمة من صخب برلماني أردني، يُعتقد أنه موجه ومبرمج من دوائر رسمية، ضد قطر والسعودية، ما يستدعي سؤالاً حول مدى انسجام «الممانعة» الأردنية في وجه مقررات الدوحة مع توجه الأردن نحو ركوب حافلة المغامرة السورية.
في السياق ذاته، تأتي تصريحات رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور بشأن استعداد حكومته لإعلان ثلاث محافظات شمال البلاد (المفرق، اربد، عجلون) مناطق منكوبة، مع إظهار النية للذهاب بذلك إلى مجلس الأمن الدولي. رافقتها كذلك تقديرات علنية تؤكد أن الأسوأ لا يزال بانتظار الأزمة السورية، وأن تداعيات هائلة وشيكة ومرتقبة ستدفع بملايين السوريين للجوء إلى المملكة، ليبلغ عدد هؤلاء نحو ثلاثة ملايين
لاجئ.
وقال النسور، في جلسة خاصة مع إعلاميين أردنيين، إن ثمة حرباً مقبلة، سمّاها «عالمية»، ستترك تأثيرها الكبير على الأردن، وبطبيعة الحال على سوريا؛ لكن هذه التقديرات (أو ربما المعلومات) لم تستدع منه أن يعيد حساباته في ما يتعلق باللجوء السوري، بل على العكس أكد أن الأردن لن يغلق أبوابه أمام حركة اللجوء، ما يشير إلى أن الجار الجنوبي لسوريا ليس ببعيد عن محاولة انتهاز «الرياح المقبلة» والاستثمار فيها مسبقاً.
وتركز النغمة السائدة في عمان على أن الأردن سيفعل كل ما من شأنه ضمان حدوده الشمالية، مع ملاحظة أن هذا القول لم يقتض الحد من اللجوء باتجاه الأردن، ولا ضبط الحدود وإغلاقها أمام المسلحين الذين باتوا يستخدمون ثلاث عشرة نقطة حدودية غير رسمية للعبور إلى سوريا. مع ملاحظة أن «درعا» باتت مفردة سهلة على لسان المسؤولين الأردنيين، بالدرجة نفسها التي يُظهر بها الإسرائيليون رغبة في تحريك الحدود وراء الجولان المحتل، واستثمار جهود المجموعات المسلحة في إطفاء نظام الدفاع الجوي السوري في تلك المنطقة.
ومن الواضح أن الأردن لن يبادر إلى تنفيذ تلميحاته الخطرة، ولكنه يستعد لها بانتظار خطوات لاعبين رئيسيين كبار (الولايات المتحدة وإسرائيل)، يمكنهم أن يقتحموا المشهد السوري بفعل نوعي، يرفع الحرج عن عمان التي ستنطلق إلى القيام بدورها تحت شعار تدارك الوضع الإنساني الذي سيجد «الإخوة السوريون» أنفسهم في خضمه، وهذا قد يفتح المجال لاحقاً لإيجاد مبررات قابلة لتسويق المشاركة الأردنية في عمليات موضعية بحجة التعامل مع مخزون الأسلحة الكيميائية.
ومن اللافت أن موسكو الرسمية، التي تصر على تسمية مقررات قمة الدوحة «قرارات الجامعة العربية» حصراً، لا تعلن مواقف محددة من خطط وسيناريوات باتت تحيط اليوم بالأزمة السورية من كل جهة؛ على أن هذا «الصمت» لا يمكن فهمه باعتباره رفع يد وتسليماً بـ«القدر». ففي الجانب السوري كذلك مثل هذه البرهة التي يخفت فيها التعليق العلني على «المجريات»، ما يفتح شهية الأسئلة على طبيعة الحديث الروسي السوري وراء حجاب الصمت.