سادت حالة من الترقب في الأوساط المصرية أمس، عقب بثّ التلفزيون الإسرائيلي خبراً أشار فيه إلى فتح الباب أمام عشرات من الأسر القبطية للهجرة إلى إسرائيل، شرط تقديم ما يثبت أنهم تعرضوا للاضطهاد بالفعل، وهو ما نفته الإذاعة الإسرائيلية لاحقاً عبر مصادر سياسية كبيرة في القدس، وخصوصاً بعد تداول أنباء نشرتها وسائل إعلام مصرية وعربية عن أن إسرائيل قررت السماح للأقباط الذين قاموا بزيارتها أخيراً بالبقاء للعيش فيها، فيما قالت مصادر مهمة لمراسل الإذاعة إنها ترحب بزيارة أبناء الديانات المختلفة للأماكن المقدسة في إسرائيل، على حد قول الإذاعة.
هذا التضارب في التصريحات داخل الكيان الإسرائيلي، أرجعه مراقبون وإسلاميون وأقباط إلى أنه نابع من نية خبيثة من الجانب الإسرائيلي، في محاولة منه لاستثمار الأجواء المضطربة في مصر، ولا سيما مع الوجود الكبير والقوي للإسلاميين ومع زيارة عشرات الأقباط، أخيراً للأماكن المقدسة في القدس المحتلة، مخالفين في ذلك قرار الكنيسة المصرية بعدم الموافقة على حجّ الأقباط إلى القدس في وجود الاحتلال الإسرائيلي.
كميل صديق، سكرتير المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية، شكك في الخبر، مؤكداً لـ«الأخبار» أن الكنيسة لا تشجع على الهجرة، وإن كان لا بد من التشجيع فمن باب أولى أن يكون التشجيع على الواجب المقدس، لكن الكنيسة لا ترحب به ويحترم الغالبية العظمى رأي الكنيسة في هذا.
وأشار صديق إلى أن إسرائيل دولة في حالة حرب، وبالتالي هي ليست مكاناً آمناً أو مستقراً حتى يكون مشجعاً للهجرة إليه، وخاصة أن دولة جورجيا على سبيل المثال تفتح أبواب الهجرة أمام آلاف الأقباط، فضلاً عن وجود دول أوروبية أخرى، هذا إن كان لدى أحد من الأقباط رغبة في الهجرة. وتساءل: «كيف يترك الأقباط الأرض التي هرب إليها المسيح وهي مصر للذهاب إلى الأرض التي فرّ منها، حينما أخبره الملاك بذلك؟»، لافتاً إلى أن الهدف من هذه التصريحات هو الرغبة في انقسام المجتمع.
بدوره، أكد رئيس مجمع الدلتا الإنجيلي، القس راضي عطا الله، لـ«الأخبار» أن هجرة الأقباط إلى إسرائيل غير مطروحة نهائياً لأسباب نفسية وثقافية، لوجود عداء تاريخي بين المصريين جميعهم وإسرائيل. ورجح أن يكون الموضوع مسرباً من الداخل الإسرائيلي، أو من خلال جماعات دينية، تريد إزكاء الفتنة، مبيناً أن إسرائيل ترغب في إظهار نفسها واحةً للديموقراطية والتنوع، من خلال الإيحاء بأنها متسامحة مع أصحاب الأديان في المنطقة. وشدد عطا الله على أن المسلمين بالنسبة إلى المسيحيين في مصر أقرب من اليهود الموجودين في إسرائيل.
أما من ناحية نفسية دينية، فاستبعد عطا الله ذهاب الأقباط لإسرائيل «لأنهم في إسرائيل يرون أن المسيح المعروف، مُضلل، وهم من صلبوه، فكيف يعيش مسيحي بحالة مستقرة نفسياً مع من يقر بهذا الأمر؟»، واصفاً التصريحات بأنها غير بريئة لزيادة الاحتقان في الشارع المصري. ولفت إلى محاضرة رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق، التي ألقاها عقب ثورة كانون الثاني، والتي اعترف فيها بأن إسرائيل نجحت في إزكاء نار الفتن والقلاقل في مصر إبان فترة مبارك.
أما الإسلاميون، الذين يتصدرون المشهد المصري الآن، فأوضح عمرو نبيل، الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح والنهضة، أن الأمر في إسرائيل نابع من منطلق فكرة تفتيت المنطقة وتفكيكها على الأساس الإثني والعرقي، مبيناً أنه مخطط إسرائيلي قديم ومعروف وله خرائطه. ولفت إلى أن محاولة تصوير الأمر بأنه نابع من اضطهاد أو بسبب الإسلاميين، هو استثمار بعض الحالات القليلة المحسوبة على التيار الإسلامي التي يكون خطابها غير ملائم وغير مقبول تجاه الأقباط.
أما أحمد مولانا، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، الباحث في الشؤون الأمنية، فأرجع هذا الأمر إلى محاولة إسرائيل توتير الأجواء في مصر، واللعب على وتر الفتنة الطائفية، ما قد يؤدي إلى التراشق اللفظي بين الإسلاميين والمسيحيين، ومن ثم يكون تمهيداً لتفكيك المجتمع، مستبعداً أن يكون ما بثه التلفزيون الإسرائيلي حقيقياً.
من جهته، رأى أحمد عطوان، أحد المتحدثين باسم الحرية والعدالة، أن ما قيل يدخل في إطار جسّ النبض وقياس ردود الأفعال المصرية عامة والقبطية بصفة عامة، من خلال ملف شائك في غاية الحساسية، عبر استثمار توقيت يشهد ارتباكاً في المشهد السياسي المصري، لا يجعل مصر تحتمل أمراً مثل اندلاع فتنة طائفية. ونبه إلى أنها تستثمر شطحات بعض التشنجات القبطية والإسلامية من فرادى في المجتمع، وذلك بهدف ضرب لحمة المصريين.
وأضاف: «إسرائيل تعلم أن صانع القرار المصري، هو عدو لها، ومشروعه يقف على الجانب الآخر منها»، مشيراً إلى أن مرسي لم ينطق كلمة إسرائيل حتى في الأمم المتحدة، وبالتالي هم في حاجة إلى صناعة بالونات اختبار من وقت لآخر، لجس نبض صانع القرار والأقباط على وجه الخصوص، ولا سيما مع ما هو معروف عن موقف وطني للكنيسة المصرية عبر التاريخ من عدم الموافقة على الحج للقدس بالنسبة إلى المسيحيين في وجود الاحتلال الصهيوني.
وعلى مستوى الباحثين، حلل سليمان شفيق، الباحث في شؤون المواطنة، وجود بعض النزعات التي عبرت عنها بعض الصفحات القبطية على الإنترنت، التي لا تمانع فكرة الهجرة أو تؤيد الذهاب للحج إلى القدس مثل العشرات الذين أقدموا على هذا الأمر. ورأى أنه يعكس خللاً هيكلياً في البنية الفكرية في الثقافة المصرية عموماً، حيث إن الفوضى التي يعاني منها المجتمع في الفترة الأخيرة، أدت إلى نزاعات عدوانية ضد الذات الوطنية والشخصية. وأصبح انهيار الهوية ملمحاً رئيسياً في المشهد، مرجعاً ذلك إلى أن التيار الديني، وهو أحد المكونات الرئيسية الأربعة للمجتمع المصري (الدينية والقومية واليسارية والليبرالية) أراد محو الباقي. وأضاف: «في الصراع بين هؤلاء وهؤلاء سادت المعايير اللاوطنية، وهذا يرجع إلى تفكك الدولة وتفسخ الأمة».
ولفت شفيق إلى أن بيت التكريس بحلوان، الذي أسسه الأب متى المسكين، لإعداد خدام الكنيسة ورهبانها، كان له منهج تكوين يرتكز على وطنية الكنيسة، وكان لديهم كتابات ثابتة، سميت «من خلف خط النار» كان الرهبان فيها يكتبون عن عدم حقوق إسرائيل في ما يسمى أرض الميعاد، من منظور إنجيلي ولاهوتي، يرتكز على تقليد الكنيسة الوطني، وذلك في الفترة من عام 1967 بعد النكسة وحتى عام 1975 أي بعد نصر أكتوبر.
وأشار شفيق إلى أن البابا شنودة الثالث، البطريرك السابق للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، كان له ثلاثة كتب مهمة في هذا السياق، الأول هو المسيحية والقدس، والثاني هو المسيحية وإسرائيل، والثالث هو إسرائيل والكتاب المقدس، فضلاً عن محاضرة تاريخية ألقاها في أول زيارة له عام 71 إلى نقابة الصحافيين، أكد فيها عدم حق إسرائيل في الوجود كدولة، مبيناً أن بقدوم المسيح انتهى الحق الإسرائيلي في ما يعرف بأرض الميعاد أو فلسطين.