نواكشوط | تعيش بعض مدن الشمال المالي، من بينها تين بكتو، العاصمة الثقافية لإقليم أزواد، على وقع اشتباكات هي الأعنف في تاريخها منذ عقود، بفعل المعارك الضارية بين القوات الفرنسية وعدد من مسلحي القاعدة. وأبلغ بعض سكان المدينة «الأخبار» أن المسلحين الإسلاميين يواصلون عمليات انتحارية بشكل منظم طيلة الاسبوع. وتحدث شهود عيان عن اشتباكات عنيفة بين القاعدة والقوات الفرنسية قرب أحد الفنادق في المدينة، ومعسكر للجيش المالي وسط المدينة، على مدى اليومين الماضيين.
وأضافت مصادر متطابقة لـ«الأخبار» أن بعض عناصر الجماعات المسلحة المتواصلة مع بعض سكان المدينة استطاعوا الدخول إلى قلب «تين بكتو» دون رصد من القوات الفرنسية. وفسّر بعضهم نجاح العناصر في الوصول إلى المدينة بالنعرات التي تلت التصفية العرقية للعرب والأزواديين من طرف الجيش المالي بمباركة فرنسية.
ويأتي قرار نقل المعارك إلى «تين بكتو» و«غاوا» وغيرهما من مدن الشمال بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على تراجع القوات الفرنسية من جبال آفوغاس، وإعلان فرنسا نيتها سحب عدد من جنودها وآلياتها على الأرض لصالح القوات الأفريقية المقرر إرسالها إلى الشمال.
وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الفرنسي، لم توفر الحرب الأمن حتى في كبريات مدن الشمال، فشهدت «غاوا» و«كيدال» وتين بكتو» نهاية شهر آذار وبداية نيسان موجة عمليات مفزعة للفرنسيين وأتباعهم الأفارقة. وأكدت فرنسا اتساع العمليات ضدها بعد اعترافها بمواجهة مقاومة عنيفة من الجماعات الإسلامية المتشددة التي استهدفها الفرنسيون في الجبال وفاجأتهم في المدن.
وأكدت الصحف الموريتانية الصادرة في نواكشوط أمس أن فرنسا فوجئت بقوة هذه الجماعات وحسن تدريبها وجودة تسليحها ومعرفتها الواسعة بالمنطقة ودروبها، إلى درجة جعلت المسؤولين الفرنسيين يغيرون من لهجتهم، حيث صرّحوا بأن الانسحاب لن يكون سريعاً، وأنه ينبغي التمهل قبل تحديد موعد لذلك، بسبب «حرب الأشباح» التي لا يدري أحد متى يظهر أصحابها.
ونقلت يومية «أخبار نواكشوط» عن رئيس «اللجنة الشرعية لحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي، حمادة ولد محمد الخيري، المكنّى بالقعقاع، تفنيده للمعلومات التي تتحدث عن مقتل عدد كبير من القادة بينهم مختار بلمختار، واعتبر ذلك مجرد افتراءات لا أساس لها من الصحة.
وفنّد «القعقاع»، خلال اتصال هاتفي باليومية الموريتانية، الأرقام التي قدمتها الحكومة المالية كحصيلة للحرب في شمال مالي، والتي ذكرت فيها أن «الإسلاميين» فقدوا حوالى ستمئة مقاتل. وقال هذه أرقام «كاذبة وبعيدة جداً عن الواقع».
وتوعّد القيادي باريس بطعم الانغماس في العمليات الاستشهادية، مشدداً على أن الموقّعون بالدماء والتوحيد والجهاد وأنصار الدين ليست سوى تسميات، وأن هناك تنسيقاً محكماً بين هذه الجماعات لهزيمة فرنسا في مستنقعها الأفريقي.
وعلى صعيد متصل، نقلت محطات إذاعية في نواكشوط عن الناطق باسم «الموقعون بالدماء»، واسمه الحسن ولد اخليل المكنّى بـ«جليبيب» قوله إن المجاهدين أوقعوا خسائر بالفرنسيين وقتلوا بعض الغزاة، من بينهم ضابط فرنسي كبير، متوعداً بمواصلة الهجمات خلال الأيام القادمة.
وفيما تعاني باريس من موقف لا تحسد عليه، سارعت الولايات المتحدة الاميركية إلى التظاهر بدعمها لها، وأوفدت السناتور الاميركي جون ماكين الذي أكد أن واشنطن ستتلمس السبل التي تمكّنها من مساعدة القوات الفرنسية والأفريقية في التصدي للجماعات الإسلامية. وطمأن ماكين باريس إلى أن أميركا ستقيّم وضع القوات الفرنسية والقوات المتحالفة معها على الأرض لترى إلى أي حدّ يمكنها المساعدة في هذا المستنقع الأفريقي.