تونس | في مشهد غير مسبوق، تجمّع مئات النشطاء والناشطات أمام وزارة المرأة وشؤون الأسرة في تونس العاصمة أمس، للمطالبة باستقالة الوزيرة سهام بادي، وألقوا الأحذية على مقر الوزارة، رافعين شعارات تندد بالوزيرة وبحركة النهضة المهيمنة على الائتلاف الحاكم. ولعل أكثر ما أثار غضب التونسيين هو اغتصاب الرضيعة ذات الثلاث سنوات في روضة أطفال في ضاحية المرسي شمال العاصمة، من طرف حارس الروضة التي تبين أنها لا تملك ترخيصاً قانونياً للعمل. غضب الشارع التونسي على الوزيرة جاء بعد رفضها التنديد بمديرة الروضة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما حاولت تبرئة الروضة والحارس الموقوف الآن، مؤكدة في تصريحات صحافية أن الجريمة حدثت خارج الروضة وفي محيط العائلة. وهو التصريح الذي أدانته عائلة الضحية والمنظمات الحقوقية وجمعيات المرأة.
وسارع المحامون والمحاميات إلى إعلان نيابتهم عن العائلة وعن الضحية، في الوقت الذي تعاملت فيه وزيرة المرأة ببرود كامل مع هذه الجريمة التي تعدّ من أبشع الجرائم التي عرفها تاريخ تونس الحديث.
وحقيقة الصراع بين القوى الديموقراطية مع وزيرة المرأة، المنتمية إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لم تبدأ اليوم. فقد عرفت هذه الوزيرة بإثارتها للجدل في الشارع التونسي وانطلق الجدل حولها من صفحات «الفايس بوك» عن علاقتها بالرئيس المؤقت منصف المرزوقي، وهو ما دفع الطاهر هميلة، الذي غادر حزب «المؤتمر» ليؤسس حزباً اخر باسم «الإقلاع»، «إلى مطالبة الرئيس بكشف طبيعة علاقته بالوزيرة للرأي العام».
كذلك، لم تسلم الوزيرة من نقد حاد من شقيقها، عضو المجلس التأسيسي المنشق عن «المؤتمر» أيضاً القيادي في حركة وفاء، أزاد بادي، الذي اتهمها بإهدار المال العام. تهمة لا تزال تلاحقها، ويبدو أن الأيام المقبلة ستشهد كشف ملفات فساد في الوزارة يشتبه في صلة الوزيرة بها. كذلك أكد إعلامي معروف لـ«الأخبار» يوم أمس أنه سيُنشر ملف موثق بالأدلة تثبت الفساد في الوزارة.
في المقابل، وجدت وزيرة المرأة مناصرة من رابطات حماية الثورة، ومن زعيمتها المستقيلة أخيراً حليمة معالج، التي جاءت للوقفة الاحتجاجية لمناصرة الوزيرة مع عدد من أنصار «النهضة». واتهمت الناشطة الشابة، لينا بن مهني، التي حازت جوائز دولية تقديراً لجهودها في مقاومة ديكتاتورية زين العابدين بن علي، حليمة معالج بالاعتداء عليها.
وشهد مبنى وزارة المرأة في شارع الحبيب بورقيبة أمس تجاذباً كبيراً بين القوى الديموقراطية وأنصار الوزيرة من «النهضة» ورابطات حماية الثورة.
وكانت الوزيرة، التي كانت مقيمة في باريس طوال سنوات، قد أثارت الكثير من استياء الشارع التونسي بسبب أدائها وانحيازها اللامشروط إلى حركة النهضة في ملفات جوهرية مثل الزواج العرفي والدعاة الذين يتوافدون على البلاد لتدمير مكاسب المرأة ومجلة الأحوال الشخصية.
واشتهرت أيضاً بطريقتها في استفزاز المعارضة عندما قالت في إحدى الاجتماعات: «فليشربوا ماء البحر»، وصمتت في مواجهة مجموعة من الملفات الخلافية مثل حجاب القاصرات وزواجهن والتشكيك في مجلة الأحوال الشخصية وفي مكاسب المرأة، رغم مظهرها الأوروبي الذي يبدو أن «النهضة» تستعمله لإقناع الغرب، وخاصة أوروبا، الشريك الأول لتونس بانفتاحها وإيمانها بالدولة المدنية.
قوى المعارضة وجمعيات المرأة ترى أن بادي أكدت من خلال مشاركتها جنباً إلى جنب مع زعيم «النهضة» راشد الغنوشي، في المهرجان الخطابي في شارع بورقيبة لدعم الشرعية أخيراً، أنها اختارت الوقوف مع الوهابيين لضرب حقوق المرأة. وبالتالي لا مكان للوزيرة في الوزارة التي كانت أول وزارة في العالم العربي تخصص للمرأة، وكان هدفها الأساسي الدفاع عن مكاسب المرأة.
التشنج الذي تثيره بادي في الشارع التونسي واضح أن المعارضة ستعمل على تغذيته ما لم تجرِ إقالتها، لكن يبدو أنها تعوّل على دعم «النهضة».
لكن ما غاب عنها، ربما، أن السياسة لا تتحمل المواقف الأبدية، وقد تتخلى الحركة الإسلامية عن الوزيرة مثلما تخلت عن وزراء ومحافظين قالت إنها لن تتخلى عنهم.
فهل تغادر الوزيرة المثيرة للجدل؟ وخاصة أن الحركة النسوية المتجذرة في تونس جعلت من هذا المطلب شرطاً أساسياً ووحيداً للحوار مع الحكومة الجديدة.
هذا المطلب يلقى دعماً شعبياً من النقابات ووسائل الإعلام وجمعيات المرأة والطفولة والأسرة، نظراً إلى الأداء الهزيل للوزيرة وإمعانها في استفزاز المعارضة والقوى الديموقراطية. بيد أن عدداً من أعضاء المجلس التأسيسي دعا إلى توقيع عريضة لوم لإقالة الوزيرة.