يبدو الرئيس المصري محمد مرسي، ومن خلفه جماعته، الإخوان المسلمون، كمن يدور في حلقة من الأزمات كلما خرج من واحدة وجد نفسه يغوص في أخرى أشد تأثيراً على شرعية نظامه القانونية أو الشعبية.
فلم يكد مرسي ينتهي من الإقرار بأن الانتخابات البرلمانية ستتأخر على الأرجح حتى تشرين الأول المقبل، على عكس ما كان يخطط له لجهة إجرائها الشهر المقبل، تلقى الرئيس المصري ضربة جديدة أمس بعد إلغاء محكمة الاستئناف تعيين طلعت عبد الله نائباً عاماً، الذي عينه مرسي في منصبه خلفاً لعبد المجيد محمود النائب العام السابق، في خضم أزمة الإعلان الدستوري في تشرين الثاني من العام الماضي تحت ذريعة أن محمود ينحدر من عهد الرئيس الخلوع حسني مبارك، وأنه قصّر في توجيه التهم المناسبة لقتلة شهداء ثورة 25 يناير.
الرأي القانوني بشأن عودة عبد المجيد محمود لمنصبه من عدمه، لا يزال خاضعاً للاختلاف بين الفقهاء القانونيين، وفقاً للصحافية المتخصصة في شؤون القضاء هدى أبو بكر. وأوضحت أن أعضاء في مجلس إدارة نادي القضاة يرون أن الحكم يجوز الطعن فيه دون أن يمنع الطعن تنفيذه، وأن الحكم بإلغاء تعيين المستشار طلعت عبد الله يترتب عليه عودة المستشار عبد المجيد محمود إلى منصب النائب العام.
في المقابل، ظهر رأي آخر يؤكد عدم إمكانية عودة محمود، وأنه يجب تعيين نائب عام جديد، أو تصحيح إجراءات تعيين النائب العام الحالي. وبينما لم يصدر أي تعقيب من مؤسسة الرئاسة، لم تجتهد جماعة الإخوان المسلمين كثيراً لإخفاء الطابع السياسي للقضية برمتها. فبالرغم من أن الرئيس محمد مرسي ووزارة العدل هما المخاطبان بالحكم، وهما من يحق له الطعن فيه، إلا أن عبد المنعم عبد المقصود محامي الجماعة أصدر أمس بياناً للتعليق على الحكم، رأى فيه أنه يزيد من ارتباك المشهد السياسي الحالي، «ويعيدنا مرة أخرى إلى الوراء، ويقضى على ما أُنجز خلال الفترة الماضية».
ورأى في بيان أصدره أن حكم محكمة استئناف القاهرة الخاص منعدم في مجمله «لأنه يصطدم بنصوص دستورية استفتى عليها الشعب المصري، وحددت ولاية النائب العام بأربع سنوات فقط، وبالتالي هناك صعوبة في تنفيذ الحكم، وهناك استحالة في عزل النائب الحالي لأن تعيينه صدر بإعلان دستوري تحصنت آثاره بموجب الدستور الجديد».
أما جبهة الإنقاذ، فأصدرت بدورها بياناً عقب اجتماع لقياداتها أمس طالبت فيه بتنفيذ الحكم فوراً وإزالة كل آثار الاعتداءات الأخرى التي تعرضت لها السلطة القضائية في الفترة الماضية.
كذلك دعت الجبهة إلى الاحتشاد غداً أمام دار القضاء العالي لإعلان «رفض استهداف نظام الحكم الإخواني لبعض من رموز الثورة المصرية بالملاحقة دون سند من القانون، ورفضاً لاستخدام النيابة العامة كمخلب قط لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم السياسيين لنظام الإخوان»، في إشارة إلى قرارات الضبط والإحضار التي أصدرها النائب العام بحق عدد من النشطاء المعارضين والشخصيات العامة قبل أيام على خلفية اتهامات بالضلوع في أحداث الاحتجاجات الدامية أمام مقر مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين يوم الجمعة الماضي. وهي القرارات التي واجهها معظم المتهمين برفض المثول أمام النيابة العامة للتحقيق، استناداً إلى عدم شرعية النائب العام من وجهة نظرهم.
جمال فهمي، عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين، الذي كان واحداً من أولئك الذين رفضوا المثول أمام النيابة العامة، أكد لـ«الأخبار» أنه يعدّ الحكم القضائي تعبيراً عماً سماه «حكماً شعبياً» صدر بعزل النائب العام. وأوضح أن الموقف كان يستهدف التشديد على أن هذا المنصب اغتصب، «ومن ثم فقرار رفض المثول أمام جهة التحقيق لم يكن من وجهة نظري مخالفاً للقانون، بل داعماً لهيبة القانون وسلطته». وأضاف: «في هذا السياق أنا متفائل بإمكانية اتساع رقعة الاحتجاج ضد طلعت عبد الله عبر مقاطعة النيابة»، متوقعاً أن «يبدأ القضاء في رفض النظر في القضايا المحالة من النيابة العامة رفضاً للاعتراف بشرعية النائب العام».
ولا يمكن استبعاد ما طرحه فهمي في ظل ما واجهه قرار تعيين عبد الله أصلاً من رفض واسع في أوساط القضاء على خلفية اعتبار فئات واسعة من القضاة أن تعيين عبد الله مخالف لقانون السلطة القضائية، الذي يتنافى مع عزل سلفه بقرار من السلطة التنفيذية.
وكان تأسيس «لجنة شباب القضاة» إبان أزمة تعيين عبد الله نموذجاً لاتساع رقعة الاحتجاج على القرار، ولا سيما بعدما اضطر إلى الاستقالة قبل أن يتراجع. محمد عبد الهادي، المتحدث باسم «لجنة شباب القضاة»، أوضح لـ«الأخبار» أن الغالبية الساحقة من الأوساط القضائية استقبلت الحكم الأمس بارتياح بالغ، بعدما أزال آثار العدوان على القضاء. ورأى أنه «سيجب الآن على السلطة التنفيذية إلغاء آخر آثار الإعلان الدستوري، وسيجب على المجلس الأعلى للقضاء أن يمتثل هو الآخر للحكم ويعقد اجتماعاً لاختيار نائباً عاماً ويرفع اسمه للرئيس للتصديق عليه».
ويمنح الدستور الجديد حق اختيار النائب العام للمجلس الأعلى للقضاء من بين نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ومساعدي النائب العام، ويقتصر دور رئيس الجمهورية في هذا السياق على التصديق على الاختيار، بعكس قانون السلطة القضائية الذي لا يزال سارياً والذي يمنح الرئيس حق اختيار النائب العام وتعيينه في منصبه، إذ إن طلعت عبد الله عين في منصبه قبل أيام من الاستفتاء على الدستور الجديد، ما يثبت من وجهة نظر محمد عبد الهادي نية رئيس الجمهورية لاختيار نائب عام موالٍ له وتجنب الاضطرار إلى الخضوع لإرادة المجلس الأعلى للقضاء.