(1)
أنْ يجلس خطيبُ جُمعةٍ، من الدرجة العاشرة، على مقعد حافظ الأسد، فتلك نكتة تثير الأسى. من الحَمَدين القطريين ـــ الإسرائيليين، إلى تابعهما نبيل العربي إلى «الداعية»، أحمد معاذ الخطيب، والقادة العرب المصفّقين له، مشهدٌ كاريكاتيريّ ليس إلا. فلندعه خلفنا، ونزوَرّ عن جامعة عربية تحوّلت مسخا تحت لواء مسخ، لا يستحقّ حتى موقف لحظة! كذلك، فلنرم جانبا، الأوهام حول «المعتدلين» في المعارضة السورية؛ فلتخسأ معارضة كهذه أفضلها خطيب أتاحت له حاجة الحرب الإمبريالية إلى دمى، أن يُجالس وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، ليطلب منه نصب صواريخ باتريوت، في مناطق سيطرة الإرهابيين في الشمال السوري. عندها ستكون اللوحة مكتملةً: قبّة حديدية أميركية لحماية الإرهاب التكفيري، تقابلها قبّة مثلها لحماية الإرهاب الصهيوني، وثالثة لحماية الإرهاب العثماني!
يلحّ عليّ بدر شاكر السيّاب: «إني لأعجبُ كيف يمكن أن يخون الخائنونْ!/ أيخونُ انسانٌ بلادهْ؟/ إنْ خان معنى أن يكونْ/ فكيف يمكنُ أن يكونْ؟» يكون مثل أعضاء ائتلاف الدوحة، وعلى رأسهم معاذ الخطيب.
بالفم الملآن أعلن الخطيب أنه «لا يخجل» من طلب المساعدات الأميركية، المالية والعسكرية، لتدمير بلاده؛ إنه لا يخجل حقا، ككل المعارضين المصطفّين في الخندق الإمبريالي الرجعي التركي ضد الدولة السورية. ولو كنتُ مكان هيثم منّاع وصحبه، لطالبتُ اليوم بالذات، لا بمفاوضات مع النظام، وإنما بجبهة موحدة تضمّ جميع الوطنيين السوريين في مواجهة الحرب الضروس المتصاعدة على سوريا، الدولة والوطن.
إلى السلاح! الجنرال غورو آت، هذه المرة، من الشمال والجنوب والغرب؛ فلتكن ميسلون... لكن، ليس لنا، اليوم، إلا خيار النصر! وبأيّ ثمن، وبلا حسابات.
(2)
سنتان من الأزمة والحرب الضروس ــــ التي نصفها إعلام وسياسة ــــ بينما الإعلامي السوري، كالسياسي السوري، واقف في مكانه الجامد المملّ؛ فلا يدرك أن لغة ما قبل الحرب لا تنفع بعد اشتعالها.
ليس هذا، كما تعلمون، خبرا جديدا؛ فقد كان الإعلام السوري بائسا دائما، ولم تهزّه الحرب عن جموده وسطحيته واستعلائه وإنكاره للواقع، بل تطوّر، مؤخرا، لتتحوّل المذيعة الرئيسية في «الإخبارية السورية»، من دور المحاور إلى دور المحقق والملقّن على الهواء مباشرة.
لا يزال الإعلام السوري، مثلا، يتجاهل أن محافظة الرقّة قد سقطت في أيدي المسلحين الإرهابيين، كما أنه لا يخبرنا شيئا عما يحدث على الحدود مع الأردن، حيث يقول ما يسمى «الجيش الحر»، إنه يكاد يسيطر عليها. وهو ادعاء تدعمه مصادر أردنية غير رسمية. ماذا حدث؟ وما الذي يحدث؟ الله أعلم!
المنابر الإعلامية المعادية، ليست سوى شريك في الحرب، ولا يمكن التمييز، في تقاريرها، بين ما هو إخبار وما هو حرب نفسية. لكن المنابر المتعاطفة مع دمشق، لم تعد تزوّدنا، هي الأخرى، بالحد الأدنى من المعلومات. وأنا لا ألومها؛ فمنذ ما يزيد على شهرين، بدا وكأن مصادر المعلومات من سوريا وحولها، قد أُغلقتْ. ما الذي تكسبه سوريا من الغموض؟ مَن يكسب من التعمية والالتباس ولغة الشكوى، هم أعداؤها، بينما الإعلان عن كل الحقيقة حول كل ما يجري في ميدان القتال وميدان السياسة، هو السلاح الوحيد في مواجهة الحرب النفسية، والأهم أنه الوسيلة الوحيدة لتحشيد الوطنيين السوريين والعرب في المعركة.
كفى صمتا وغموضا ومناورة؛ بذلك، فإنكم تخسرون قوى شعبية مستعدة للاصطفاف في خندق الجمهورية العربية السورية. وكمثال، لقد تعبنا ونحن نحاول أن نعرف ما الذي يحدث بين الأردن وسوريا من دون جدوى: صمتٌ في عمان مفهوم، وصمتٌ في دمشق يحيّر الحركة الوطنية الأردنية ويشلها.
(3)
حسناً.. سأغامر بالقول إننا خسرنا، في معركة سوريا، أو نكاد نخسر الحليف الكردي والحياد الأردني والنأي اللبناني بالنفس. الإدارة الأميركية تمكنت، جزئيا، من ترتيب التحالفات المعقدة ضد سوريا وإيران وروسيا؛ فمن التظهير السياسي للتنسيق الإسرائيلي ــــ التركي، إلى توتير لبنان، إلى الضغوط على عمّان وبغداد، ها هي الولايات المتحدة تدخل الحرب، وستحارب بما تستطيع ــــ وهو، غير الغزو، كثيرٌ ــــ لئلا تتسوّى الأزمة السورية في سياق تبلور ونهوض المحور الروسي الإيراني العراقي السوري الممتد إلى جنوب لبنان. وليس بلا معنى تلويح الرئيس الأميركي أوباما بـ«قوة إسرائيل» ومن ورائها «قوة أميركا»، هذا هو الجوهر الاستراتيجي لخطابه: لن نسمح، بأي ثمن، بتغيير معادلة القوى في المنطقة. طهران ردت، وروسيا ستردّ بأسرع مما تظنون، وبقي الرد السوري. إلى السلاح!