أفلح تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في السيطرة على نقاطٍ مهمّة في ريف حلب الجنوبي، وعلى رأسها بلدة خناصر الاستراتيجيّة. كذلك، سيطر «داعش» على عددٍ من التلال المُطلّة على البلدة، وفي محيطها. وشهدت المنطقةُ معارك طاحنةً (وما زالت)، وسط أنباء عن استقدام الجيش السوري تعزيزاتٍ من قاعدة كويرس العسكريّة. التطوّراتُ منحَت التنظيم دَفعاً كان في أمسّ الحاجة إليه، وانعكسَ في تأكيدات مصدر مرتبط به أنّ «غزوة خناصر بوابة لانتصاراتٍ متتالية بإذن الله». المصدر الذي كان قد أكّد لـ«الأخبار» أن خرق خناصر «مقدّمة لقلب الموازين» («الأخبار»، 2820) كرّر الحديثَ عن «مُفاجآت متتاليةٍ قادمة». وبسيطرتِه على خناصر يكونُ تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في واقع الأمر قد حقّقَ أهدافاً عدّة (علاوةً على شحذ الروح المعنويّة، لا للتنظيم فحسب، بل لكلّ المجموعات المسلّحة في الشمال)، على رأسها تحويلُ الجيش السوري من مُهاجمٍ على معظم جبهات حلب إلى مُدافعٍ عن منطقةٍ بالغة الأهميّة. وعلى الرغم من أنّ الجيش السوريّ وحلفاءه يعملونَ في ريف حلب بأسلوب «تقسيم الجبهات» وتخصيص كلٍّ منها بقوات من مختلف الاختصاصات، غيرَ أنّ خروجَ مناطق بأهميّة خناصر عن السيطرة قد ينعكسُ بأثرٍ سلبيّ على مناطقَ أخرى، خاصّة ما لم يُحتوَ الخرق في وقت قصير. ويكتسب «الخرق الدّاعشي» أهميّة إضافيّة بفعل عامل توقيت حصوله، على بُعد خمسةِ أيّامٍ فحسب من موعد الهُدنة التي تُلزمُ جميعَ المنضمّين إليها بـ«التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراضٍ من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار». ورغمَ أنّ هذا الشرط لا يشملُ المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش»، لكنّ مربط الفرس موجودٌ في مناطق أخرى (الريف الشمالي على وجه الخصوص).
عكس تقدم «داعش» أجواءً «إيجابيّة» في كواليس «الإخوة الأعداء»
ومع أنّ الأنباء تضاربَت في شأن حقيقة مشاركة مجموعات أخرى للتنظيم في هجماته الأخيرة، غير أنّ مصدراً «جهاديّاً كبيراً» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «بعض الأخوة شاركوا وساندوا بفاعلية كبيرة، والأمر أشبهُ ببيعة حربيّة تحت راية الدولة». ويرتبط هذا الكلامُ بمجموعاتٍ تطغى عليها الصّبغة «الجهاديّة» مثل «جند الأقصى»، و«لواء التوبة». في الوقت نفسه أبدت مصادرُ معظم المجموعات في حلب «ارتياحها» للتطوّرات الأخيرة، وتأهّبت لمحاولة «قطف ثمارها». وخلال السّاعات الماضية رشحت معلوماتٌ عن انهماك المجموعات المسلّحة التي خسرَت معظم مناطق نفوذها هناك في التجهيز لهجوم كبيرٍ يستهدفُ نقاطاً عدّة، في محاولة لاستغلال «الإنجاز الدّاعشي» في خناصر وما قد ينجمُ عنه من تحويل الريف الجنوبي إلى جبهة إشغال كُبرى، والعملَ على استعادة بعض المناطق التي خسرتها سابقاً قبلَ دخول الهدنة حيّز التّنفيذ. وخلافاً لما تسعى بعض المصادر إلى ترويجه، فإنّ قطع طريق «خناصر – السّفيرة» لا يعني انقطاع الإمدادات العسكريّة من ذخيرةٍ وأسلحة عن القوّات السوريّة في حلب. ومَردُّ ذلك إلى أنّ نقاط التحشيد والتجمّع التي أقامها الجيش على معظم الجبهات تتلقّى إمداداتها من ذخيرةٍ وأسلحة من نقطتي تخزينٍ أساسيتين (كلتاهُما أقربُ إلى حلب من خناصر) ومجهّزتين لتموين معارك بكفاءةٍ عالية لمدةٍ تقارب شهراً ونصف شّهر على الأقل. إلا أنّ التهديدَ الفعليّ الذي يشكّله قطع الطريق يرتبطُ بالدرجة الأولى بإمدادات المحروقات، إذ تقلّ فترة «الاكتفاء الذاتي» الذي يوفّره المخزون العسكريّ في حلب عن نظيره الخاص بالعتاد والذخيرة. وتُبدي المصادر العسكريّة السوريّة ثقة تامّة بأن استعادة النقاط التي خرجت عن السّيطرة هي «مسألة وقت» فحسب. وهو أمرٌ تؤيّده مُعطياتُ المشهد الحلبي بالعموم، مع الأخذ في الاعتبار أنّ تطبيق الهدنة (في حال حدوثه) سيتيحُ للجيش التفرغَ لخطوط التماس مع «داعش». ويُقلّل مصدرٌ ميداني سوري من احتمالات «بقاء المناطق خارجَ السيطرة حتى ذلك الوقت»، يقول المصدر لـ«الأخبار» إنّ «المدى الزمني المتوقّع لإعادة الأمور إلى نصابها هو ثمانيةٌ وأربعون ساعة». ويضيف: «هذه المرّة لن يكتفي الجيش السوري باستعادة الطريق (طريق حلب خناصر) وتأمين جانبَيه، بل سيمضي أبعدَ من ذلك بكثير». وفي ضوء تكرار حالات الخرق على هذا المحور بالذات، يبدو أنّ المشكلة الأساسيّة ترتبطُ بقوّات التّثبيت السوريّة والحواجز التي تتمركزُ على امتداده بعد انتهاء المعارك. لكنّ المصدر الميداني امتنعَ عن التعليق على هذا التفصيل، ولم يستبعد في الوقت ذاته «اعتمادَ آليّات تثبيتٍ جديدة في المستقبل». إلى ذلك؛ قفزت إلى الواجهة سريعاً مخاوف الحلبيين من عيش معاناة الحصار من جديد. وعلى نحوٍ مماثلٍ لما شهدته المدينة في كل مرات انقطاع الطريق السابقة، سارعَ عددٌ من مُحترفي الاحتكار إلى الامتناع عن تزويد السّوق بعددٍ من السلع الرئيسية، تمهيداً لطرحها بأثمانٍ مُضاعَفة خلال الأيّام القادمة.

أجواء «إيجابيّة» بين «داعش» و«النّصرة»

عكس التقدم الذي حقّقه «داعش» في ريف حلب الجنوبي أجواء «إيجابيّة» في كواليس «الإخوة الأعداء». وبدا لافتاً الثناء الذي وجّهه المنظّر «القاعدي» الشهير أبو محمّد المقدسي (عصام طاهر البرقاوي، أردني من أصل فلسطيني) على أداء «داعش» في خناصر. و«غرّدَ» المقدسيّ عبر صفحته على موقع «تويتر» قائلاً إنّ ما حصل في خناصر «ملحمةٌ قُتل فيها المئات من النصيريّة والرّوافض وأُسر وجُرح الكثير، هذا يُخفّفُ الضّغط على الفصائل ويقطع طريق النظام. إنجازٌ لا يملكُ مُنصفٌ إلا مدحَه». ويكتسبُ موقفُ المقدسي أهميّة خاصّة بالنظر إلى مواقفه العدائيّة السابقة تجاه تنظيم «داعش». ويأتي هذا التطوّر في خطاب المقدسي، في وقتٍ يستمرُّ فيه الحديثُ عن محاولات إمرار اتّفاق (غير مُعلن) بين «داعش»، و«جبهة النصرة» (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) يقومُ على أساس «التنسيق لمواجهة أخطار المرحلة». على صعيدٍ آخر، بدا لافتاً أمس تجدّد مساعي الترويج لـ«مبادرة أهل العلم» التي كان الحديثُ بشأنها قد خفت في الفترة السابقة. وتنصّ «المبادرة» على دعوة «كل الفصائل إلى التوحّد تحت مسمّى الجبهة العامّة لتحرير سوريا».