رمى أحمد معاذ الخطيب كرسي رئاسة «الائتلاف» المعارض الذي أُلصِق به. وجد الرجل نفسه عاجزاً أمام مستنقع من الحيتان. لم تصب الكرات الصغيرة التي رماها الهدف، في ملعب مغلق تديره فئة واحدة. تتابع الأحداث منذ ترؤس الخطيب لـ«الائتلاف» المعارض كان ينذر بما حدث يوم أمس: الاستقالة. «وصلت الأمور إلى بعض الخطوط الحمراء»، قال الرجل. يوم «قُدّمت» له الرئاسة، وُعد بأنّ مشاكل المعارضة ستحلّ سريعاً عبر فتح صنابير الدعم المالي والدبلوماسي. مرّ مؤتمر «أصدقاء سوريا» في روما وبانت آفاق الدعم المحدود. طرح «مبادرة» للحوار فقوبل بالتخوين. كل دولة أرادت تنفيذ أجندتها عبر هذا الرجل.
ابن دمشق يعرف اللوحة السورية الداخلية جيداً. هو غير بعيد عن حرارة الشام ونبض الشارع، الشعبيّ منه والمسلّح، بعلاقاته وتواصله الدائم معه. القوى في الداخل ليست طيّعة. يحفظ الشيخ هذه الثابتة. «الجيش السوري الحر» لم يعترف بحكومة غسان هيتو الموقتة. هو، أيضاً، موقف ينبع من الشارع، حسبما يقول أحد متحدّثي هذا الجيش لـ«الأخبار». لا غطاء عسكرياً لهذه الحكومة إذاً. فمن تبقى ليكون الوجه العسكري الذي من المفترض أن يحقّق المكاسب الميدانية لعمل «الائتلاف» (الحكومة) السياسي؟ هنا السؤال.
يوم أمس دخل غسان هيتو الأراضي السورية، وتوجّه إلى مقر «لواء التوحيد» التابع لـ«جبهة تحرير سوريا». سلام وكلام وعودة إلى اسطنبول. أفق حراكه مسدود. بعض فصائل الجيش الحر لم تعد ترى في التأجيج الزائد للأزمة أيّ فائدة، يروي أحد المعارضين السياسيين في دمشق لـ «الأخبار». هم على الأرض ولا يروْن بمنظار «غوغل» أو محطات التلفزة في الفنادق. خرج الخطيب وأبقى «المؤسسة» في ورطة كبيرة. مؤسسة من دون رأس ستقود حكومة. مؤسسة أحرقت المراحل ليجلس رئيسها على مقعد سوريا في جامعة الدول العربية. الخطيب لن يكون في الدوحة، أصبحت محسومة.
مصادر في «الائتلاف» تؤكد الفراغ والأزمة التي خلّفها قراره. هي تعتقد أنّ قطر «ستجمّل» الصورة ما استطاعت، كما سبق أن فعلت مع المجموعة التي علّقت عضويتها في «الائتلاف» ثم سحبت قرارها. الفجوة الصغيرة التي أرادوا فتحها رمّمها رعاة «الائتلاف» بالسرعة اللازمة. «نتيجة الضغوط والوعود عدنا»، يقول أحدهم لـ«الأخبار». كل دعم له مقابل من النفوذ، يضيف محدّثنا. الآن أصبح الوضع معقّد، قد لا ينجح هيتو في تشكيل حكومته، نحن ننتظر.
هشام مروة، العضو في «الائتلاف»، يشير لـ«الأخبار» إلى أنّ أحد نواب الرئيس (سهير الآتاسي، جورج صبرا، رياض سيف) سيترأس وفد الائتلاف إلى القمّة العربية، وسيضمّ غسان هيتو. «لن نتنازل عن المكاسب السياسية التي حقّقناها، الثورة مستمرة بغضّ النظر عن الأشخاص»، يتابع.
لا تريد الدوحة أن ترى المقعد فارغاً خلف العلم السوري. فاجأها الخطيب بتوقيت الاستقالة. حمد بن جاسم آل ثاني، وزير الخارجية، حثّه على إعادة النظر في قراره. تعامى المسؤول القطري عن لبّ المشكلة. «من هو مستعدّ للطاعة فسوف يدعمونه»، كتب الخطيب، في بيان استقالته. لا يبدو أنّ الشيخ يريد إطاعة «حلفائه» الطبيعيين. القيّمون اليوم على «الائتلاف» تخلّوا عن الجميع وأبقوا «الإخوان المسلمين» في المقدمة. عملياً الدوحة تشكّل المايسترو الأساسي. دفعت بهيتو المقرّب من الإسلاميين مقابل أسعد مصطفى مرشح السعودية. الرياض لا تميل إلى دور كبير للإخوان، كما يقول عضو في «الائتلاف» انتخب هيتو.
«الائتلاف» رفض استقالة رئيسه، وطالبه أيضاً بالعودة إلى منصبه. ورأى أنّ «الخطيب سيستمرّ في إدارة الائتلاف في هذه المرحلة بحسب اتفاق أعضاء الهيئة العامة». عضو «الائتلاف» هشام مروة قال لـ«الأخبار» إنّ الخطيب أرسل رسالة داخلية «لطيفة وإيجابية» إلى زملائه السابقين يحثّهم فيها على متابعة العمل واختيار بديل له. لكن أحد المواقع الالكترونية كشف عن مضمون هذه الرسالة كاملة، وتحدّث فيها الخطيب عن «كمّ الإهانات» التي تعرّض لها بشكل «غير مسبوق، وتحمّلتها كما يتحمّل أخ في الأسرة أشقاءه الذين يحبهم». وأعلن، فيها، أنّ «هناك قناعات عديدة لديّ تخالف ما عليه الائتلاف، وهناك تصوّرات لا يمكن أن تعيش في تربته».
لكن ما يحدث هو شدّ حبال ليس أكثر بين القوى الاقليمية الداعمة للخيار العسكري. هل سيقرأ هذا الحصان الجامح (الثلاثي القطري التركي السعودي) التغيّرات؟ يسأل أحد قادة «هيئة التنسيق الوطنية». المعارض الرافض للتدخل العسكري يرى أنّ هذه الدول نجحت في إفشال مشاريع الحلّ لكنها لم تستطع في المقابل أن تُنجح مشروعها. أصبحت في نقطة اللاعودة وعليها أن تعيد حساباتها.
معارض آخر في الداخل يرى أنّ التناقضات ما بين هذه الدول هي في كيفية الانسحاب من معركة «العسكرة»، والدول المتورطة والمنغمسة في دعم المعارضة تريد تأخير هذا الانسحاب. قطر ليست مستعجلة، لا تريد الآن تسجيل انسحاب أو تراجع. هي مصرّة على الدفع نحو تقسيم سوريا إلى حكومتين وأرضين وجيشين.
من الرعاة الاقليميين إلى الغرب «المتفرّج». دول الاتحاد الأوروبي أخفقت في الاتفاق على رفع الحظر على إرسال أسلحة إلى المعارضة السورية، كما طالبت بذلك فرنسا وبريطانيا. عدد كبير من عواصم الاتحاد يعتبر هذه المبادرة محفوفة بالمخاطر. المفوضة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، أكدت اتفاق جميع المشاركين في الاجتماع غير الرسمي لمجلس الاتحاد في دبلن على ضرورة تسوية الملف السوري بطريقة سياسية.
هذا الدعم لن يكون سوى عبر تقديم مساعدات سياسية واقتصادية، عبر مواصلة تشديد الضغط على النظام «لإشراكه في العملية السياسية الحقيقية».