تستعد الدوحة لاستضافة ما يمكن وصفه بـ«قمة فوضى بلاد الشام» غداً، في ظل انقسام في صفوف المعارضة، هو الأعمق منذ تشكلها برعاية خليجية غربية في محاولة لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ويأتي في ظل استعدادات لتعميم حال الفوضى بما يشمل لبنان والعراق والأردن. استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في لبنان ليست بعيدة عن هذا السياق، الذي يجهد لدفع بلاد الأرز إلى فتنة ترتدي لبوساً مذهبياً بما يغرقها في فوضى، الهدف الأساس منها إشغال حزب الله وتهديده ومحوره. كذلك الأمر بالنسبة إلى الضغوط الرامية إلى دفع الأردن إلى التورط المباشر بالأزمة السورية. خطوة لا شك في أنها ستنعكس سريعاً أزمة داخل المملكة، أقطابها جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات الفلسطينية التي تدور في فلكها، والتي سترى في ذلك متنفساً لها لانتزاع مكاسب من النظام، حيث ستجد المؤسسات العسكرية والأمنية، ومعها التيارات السياسية القومية واليسارية، نفسها تنزلق في مواجهة مع التيارات الإسلامية من الممكن للمرء توقع كيف تبدأ، لكن من الصعب استشراف الطريقة التي ستنتهي فيها. حتى العراق، حيث تدفع تركيا ودول الخليج وخلفها القسم الأكبر من الغرب نحو فوضى تجهد سلطات بغداد ومن خلفها الحليف الإيراني لإبقائها مضبوطة، ليس في منأى عن جهود تسعير المواجهة. حكومة نوري المالكي تدرك جيداً البعد الداخلي للأزمة. لكنها في الوقت نفسه مقتنعة بهيمنة العامل الإقليمي: تحريك المناطق الغربية ليس سوى رسالة ابتزاز لطهران تضع عاصمة العباسيين في مقابل عاصمة الأمويين. زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري المفاجئة للعراق لافتة جداً في دلالاتها. تأكيده على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، رغم علمه بأن الحالة الأمنية المزرية في الأنبار ونينوى ليست بريئة. كل ذلك يحصل، فيما المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي يواجه تحدياً قد يدفعه الى ترك مهمته، علماً بأن هناك اتصالات جارية معه من قبل الأميركيين والروس لإجل إقناعه بالبقاء لفترة إضافية، في وقت يجري فيه الإعداد لمعركة كبرى للسيطرة على شمال سوريا، على ما تفيد المعلومات التي تضيف إنه يجري العمل حالياً، بعد إطاحة رئيس الائتلاف الوطني المعارض، أحمد معاذ الخطيب، على تشكيل مجلس عسكري جديد يضع «الجيش الحر» والمجموعات الإسلامية تحت سيطرته، على أن يتبع مباشرة للأتراك والخليجيين.
ولا يمكن هنا المرور على استقالة الخطيب بوصفها حدثاً عابراً، وخاصة أن حيثياتها تبدو أكثر تعبيراً منها. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر واسعة الاطلاع أن الدافع الأساس لهذه الاستقالة، أو ما يعرف بالشعرة التي قصمت ظهر البعير، كان تشكيل «الحكومة المؤقتة» في خطوة اعتبرها الخطيب عملاً تقسيمياً. وأراد الخطيب، على ما تفيد المصادر، من خطوته تلك إحراج قطر عشية قمة الدوحة التي تريد تطويب مقعد سوريا في الجامعة لرئيس الحكومة السالفة الذكر، غسان هيتو. كما أراد التأكيد على أنه عصيّ عن تلقي الأوامر. ولعل خشيته الحارقة، هو الدمشقي الأصيل، مما ينتظر بلاده وعاصمتها خلال الأسابيع المقبلة من هول دموي، أدت دوراً كبيراً في قراره. يضاف إليه طبعاً سخطه وغضبه وتأثره باغتيال العلامة الإسلامي محمد سعيد البوطي، ورعبه من تفشي تنظيم «القاعدة» وأخواته من التنظيمات التكفيرية، وقلة حيل مجموعته (التي تتحلق حول السياسي والداعية الإسلامي عصام العطار الذي سبق أن شغل منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا)، أمام القيادة الحالية المتنفذة والمتشددة لـ«الإخوان».
ولا شك أيضاً في أن للخطيب حساباته السياسية، في مقدمها أن شعبيته في الشارع السني بنيت على ميله إلى التسوية لا إلى التصعيد واستمرار المواجهة المسلحة. وهو لا بد أنه يدرك أن المزاج العام للمدن السورية قد عيل صبره وبات يبحث عن خاتمة تضع حداً لمآسيه، ويشعر بأن الافتراق بين مزاجي الخارج والداخل يتسع باطراد. وعليه، تفيد المصادر بأن رغبة الخطيب في الخروج من معمعة السقوف العالية والتصعيد الفالت من عقاله على الأرجح كانت حاسمة في خياره الاستقالة، في محاولة للاستعداد لمرحلة آتية تصل معها الأطراف كلها إلى الاقتناع بالحاجة إلى... التسوية!
(الأخبار)