انتقل الكباش الدولي إلى مجلس الأمن، حيث سعت باريس ولندن إلى «تعطيل» تحقيق دولي حول «الهجوم الكيميائي» في حلب قبل أيام. كما تعمل الدولتان، اليوم، إلى إعادة فتح النقاش حول تسليح المعارضة السورية في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في دبلن، في حين قالت موسكو إنّها لن تجري محادثات مع أي طرف سوري يرفض الحوار. في هذا الوقت، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن النزاع المستمر في البلاد منذ عامين هو «معركة إرادة وصمود». وقال إنّ «سوريا اليوم كلها جريحة ولا يوجد فيها أحد لم يخسر أحد أقربائه إن كان أخاً أو أباً أو أمّاً، ولكن كل هذا لا يعادل خسارة الابن. ومع ذلك فان كل الذي يحصل بنا لا يمكن أن يجعلنا ضعفاء».
وأضاف الأسد، خلال مشاركته في تكريم أهالي تلامذة قضوا في النزاع السوري، في احتفال أقيم في مركز تربوي في دمشق، «بقدر ما نكون أقوياء، بقدر ما نتمكن من حماية الآخرين من أبناء الوطن». ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن الأسد قوله للأهالي إنّه أراد التواصل معهم «لكي يستمد القوة منهم على الرغم من غصة الألم الناتجة عن فقدانهم أولادهم». وأضاف الرئيس السوري أنّ «استهداف المدرسين من قبل الارهابيين واستشهادهم يؤكد أن معركة السوريين بالدرجة الأولى هي ضد الجهل، فهم استشهدوا خلال نشرهم للعلم والثقافة». وأكد أنّ «رسالتنا لأعداء سوريا ستكون بمواصلة طريق هؤلاء المدرسين والشهداء وتحقيق هدفهم بأن تكون سوريا قوية وصامدة في وجه الجهل». وأضاف أنّ سوريا «صامدة بصمودهم وصمود أبنائها المعروفين بمساندتهم لبعضهم البعض في الملمات، والوقوف صفاً واحداً لتكون سوريا دائماً قوية ومنتصرة».
من جهة ثانية، وبعد طلب دمشق اجراء تحقيق في مسألة استخدام أسلحة كيميائية في هجوم في حلب، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنّ المنظمة الدولية ستحقّق في هذه المعلومات، تلبية للطلب السوري. وأوضح أنّ التحقيق سيبدأ «ما إن يصبح ذلك ممكناً عملياً» وسيتعلق «بحوادث محددة أبلغت بها من قبل الحكومة السورية».
واختلفت روسيا مع بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن، فجر أول من أمس، بشأن نطاق تحقيق في مزاعم عن استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، واتهمت القوى الغربية بمحاولة عرقلة تحقيق محتمل للأمم المتحدة في هذا الأمر.
وأشارت لندن وباريس إلى مزاعم المعارضة بأنّه وقع هجومان بأسلحة كيميائية أحدهما في دمشق والآخر في حلب يوم الثلاثاء، وطلبتا أن يشمل التحقيق الهجومين. ورأى السفير الروسي فيتالي تشوركين أنّ بريطانيا وفرنسا تريدان أن يتركز التحقيق على الهجومين المزعومين بأسلحة كيميائية لا على الهجوم الذي وقع في حلب، وقال إن ذلك تكتيك هدفه التعطيل ولا داعي له.
في السياق، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، أنّ روسيا مستعدة لإرسال خبراء لينضموا إلى لجنة التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا إن تشكلت. وأعلن لوكاشيفيتش أنّ «المعارضة السورية الراديكالية وضعت أمامها مهمة استقدام التدخل الأجنبي، بعد أن تأكدت من مدى دعمها من قبل رعاتها في خارج سوريا. ولا يمكن ألا تثير مثل هذه الأمزجة قلقنا». وحذر الدبلوماسي الروسي قائلاً: «قد تؤدي هذه التطورات إلى فوضى دامية. بلغ تصاعد توتر الأوضاع في سوريا في الأيام الأخيرة قمة له، حيث توقفت النزعة نحو إطلاق الحوار بين الحكومة والمعارضة». ورأى أنّ روسيا مستعدة لمواصلة الحوار مع المعارضين السوريين الذين يهتمون بالتسوية السلمية، مضيفاً «يرفض من يدعى بالرئيس الجديد للحكومة المؤقتة أي إمكانية للحوار مع السلطات السورية، ويدعو إلى التدخل الخارجي في أسرع وقت. ففي أي موضوع يمكن إجراء محادثات معه؟».
في موازاة ذلك، يعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية من اليوم والسبت في دبلن للبحث في مسألة تزويد مسلحي المعارضة السورية بالأسلحة، والذي دعت إليه بريطانيا وفرنسا رغم تحفظ العواصم الأوروبية الأخرى. وهناك أسئلة كثيرة ومعقدة ستطرح على جدول الأعمال من بينها: ما هي هذه الأسلحة وبأيّ كميات؟ وإلى من سترسل وكيف؟ وماذا ستكون عواقب ذلك على تطور النزاع؟ وكيف يمكن التأكد من عدم وقوعها في أيدي «جهاديين»؟
وفي اجتماع دبلن، لن يتعين على الوزراء اتخاذ قرار لأن الاجتماع المقرر منذ زمن «غير رسمي». لكن الهدف هو «تحديد موقف مشترك»، بحسب ما قال رئيس مجلس أوروبا هيرمان فون رومبوي في القمة الاخيرة للدول الأعضاء في الاتحاد.
إلى ذلك، اعتبر المندوب الروسي الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، فلاديمير تشيجوف، أنّ تكرار «السيناريو الليبي» في سوريا سيكون «خطأً استراتيجياًَ كبيراً»، وذلك في إشارة إلى تصريحات الأميرال جيمس ستافريديس، القائد الأعلى لقوات حلف شمالي الأطلسي، عن استعداد حلف الناتو لإجراء عملية في سوريا شبيهة بالحملة العسكرية في ليبيا. وقال: «إذا كانت (هذه التصريحات) جزءاً من الضغط السياسي، فهذا لن يكون مفيداً. لكن إذا كانت التصريحات جدية، فالأمر أسوأ بكثير». وأضاف الدبلوماسي أن تطبيق مبادرة فرنسا وبريطانيا بشأن رفع الحظر الأوروبي المفروض على توريد السلاح إلى سوريا، بهدف تسليح المعارضة السورية، سيكون خطأ أيضاً.
وفي تعليق، أيضاً، على كلام القائد العسكري الأميركي، طالب رئيس «قيادة الأركان المشتركة للجيش السوري الحر»، سليم إدريس، حلف شمالي الأطلسي باتخاذ إجراءات تضمن «حظر الطيران» فوق الأجواء السورية. وفي تصريح لوكالة «الأناضول»، أبدى إدريس تحفظه على تصريحات الأدميرال جيمس ستافريدس، قائلاً «لا نريد منكم تدخلاً عسكرياً في سوريا، نريد فقط حظر الطيران».
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، أنّ مصر ترحب بكل ما يتوافق عليه السوريون، مشيراً إلى أنه على اتصال برئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب للتباحث حول الخطوات القادمة لدعم كفاح الشعب السوري.
جاء ذلك في رده على سؤال حول موقف مصر من قيام «الائتلاف» باختيار «غسان هيتو» رئيساً للحكومة التي شكّلها.
في سياق متصل، أعلنت نائبة رئيس «الائتلاف» المعارض، سهير الاتاسي، عودتها عن تجميد عضويتها، بحسب ما أوردت على صفحتها الخاصة على موقع «فايسبوك». وكتبت الاتاسي على صفحتها أنّه «بناء على حوارات عميقة وجدية جرت بخصوص افتقار روح الفريق في العمل، حيث تم الحديث عن حصول نقلة حقيقية أطالب بها، فإنني ألغي قرار تجميد عضويتي في الائتلاف الوطني، وأعلن العودة إلى ممارسة مهامي كاملة».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، سانا)