تشبه دعوة فرنسا وبريطانيا لتسليح المعارضة السورية أنباء تدريب الاستخبارات الاميركية للمئات من المقاتلين السوريين في الاردن، على سلاح دفاع جوي وضد الدروع، وإرسالهم الى القتال في سوريا. كلا «الواقعتين»، الدعوة التسليحية المتعذرة، والتدريب من دون توفير وسائل قتالية لتفعيل التدريبات على أرض الواقع، شبيهتان لجهة الإمكان والفاعلية. مع ذلك، فإن الواقعتين كاشفتان عن إقرار بفشل المقاربة الغربية للساحة السورية، وتعذر ما هو متاح من أدوات ووسائل، في تحقيق النتائج التي يتعذر الوصول اليها منذ عامين. لا تعني الدعوة البريطانية والفرنسية أنه «طفح الكيل» لدى البلدين، وأنهما قررا التوجه نحو الحسم العسكري، بأدوات سورية معارضة، بلا اعتناء بمصالحهما ومصالح حلفائهما في اليوم الذي يلي الحسم أو خلاله.
ولا يعني أنهما قرارا، أو بإمكانهما، تجاوز صاحب القرار الفعلي، الذي يحرك المقاربة الغربية في الساحة السورية، ويرسم خطوطها وإيقاعها، وهو الجانب الاميركي.
في الوقت نفسه، لا يكفي لتفسير الدعوة البريطانية الفرنسية الحديث عن «حجز مقعد» على طاولة التفاوض ما بين الاميركيين والروس، يمنع خروجهما من الحل التسووي بلا مغانم في سوريا الجديدة، علماً بأن هذا التفاوض، وإن كان قائماً، لكنه لا يتحرك من موقع المراوحة وتمسك الطرفين بمواقفهما، ومن دون أي إزاحة من شأنها أن تفضي الى تسوية فعلية. ما يفضي الى التمسك بهذه المواقف غير المتزحزحة، بشكل أساسي، هو الواقع الميداني على الارض، حيث يتعذر على المحتربين الحسم...
وبطبيعة الحال، لا يمكن الانجرار وراء فذلكة الطرفين، الفرنسي والبريطاني، عن الأسباب التي تدفعهما إلى المطالبة بالتسليح، كما ورد على لسان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي شدد على أن «أوروبا لا يمكنها السماح بقتل الشعب السوري».
مع ذلك، فإن الدعوة الى تسليح المعارضين تختلف عن تسليحهم الفعلي. ما بين إطلاق الدعوة وتنفيذها، مسار طويل، يستلزم صدور القرار الذي لا يبدو أنه سيتجاوز مرحلة التلويح بصدوره، كما يستلزم البحث في إمكانيات تنفيذه فعلياً وميدانياً، بما يشمل أساليب وطرق إيصال السلاح، وماهية هذا السلاح ونوعه وحجمه، والدول التي سيعبرها، وتأمين الجهات المستفيدة منه على الارض بألا يصل لاحقاً الى أيد معادية، سواء حالياً أو في مرحلة ما بعد سقوط النظام، على فرض سقوطه.
مع ذلك أيضاً، فإن الاصوات الاوروبية التي ارتفعت منددة ومستنكرة ورافضة للتوجه البريطاني والفرنسي المعلن، كما هي حال الرفض والاستنكار في داخل الدولتين، تشير الى جدية مقاربة صاحب القرار في كل من باريس ولندن، ومن شأنها أن تضفي على التوجه المعلن صدقية ما كانت لتحصل عليها، من دون الرفض والاستنكار.
هل تتحول الدعوة الى قرار؟ سؤال لا يبدو أن الاجابة عنه بنعم، وتحديداً في المدى المنظور. إلا أن الدعوة نفسها كاشفة عن وجود مقاربتين غربيتين لمسألة التسليح النوعي للمعارضة السورية، والمدى الذي يمكن المخاطرة فيه، من دون التسبب بتداعيات دراماتيكية ميدانية، تؤدي الى سقوط النظام بطريقة يمكن أن تتحقق معها المحاذير والتهديدات التي تقدر أنها سترافق السقوط أو تعقبه.
تشير الحملة الترويجية للدعوة الفرنسية البريطانية الى إمكان تجاوز التداعيات السلبية المقدرة أميركياً، وتسليح المعارضة بما ينهي التوازن القائم ميدانياً بين المتحاربين، وهو توازن إن بقي على حاله، فلن يفضي الى حسم ولا الى تسوية، الامر الذي يفسر تشديد الفرنسيين على أن عملية التسليح النوعي ستكون تدريجية وبما يلزم وبالتقسيط، كما ستستغرق وقتاً للتأكد من وجهة التسليح والأيادي التي ستصل اليها، على أن تكون مقطرة جيداً من أجل حصر فاعليتها فقط في إنهاء التوازن الميداني وإجبار الرئيس الاسد على التنازل عن السلطة، من دون الاقتراب الى المخاطر التي سترافق إسقاطه الدراماتيكي على الطريقة الليبية.
في المقابل، تتفق الرؤيتان الغربيتان على وجوب منع الوصول الى حافة الهاوية، أو الهاوية نفسها، بأن تتجه الساحة السورية الى فوضى غير محمودة، ستنقل الغرب من محاربة جهة معادية واحدة، الى محاربة جهات لا يمكن ضبطها واحتواؤها والانتصار عليها، وأيضا الى مخاطر ردّ فعل من قبل محور دمشق والنظام السوري نفسه، والتقدير بأنه لن يرتدع عن تدفيع الجميع أثماناً باهظة، قبيل ولحظة وما بعد سقوطه.