حلب | في تطور هو الأخطر من نوعه في الحرب السورية، قُتل خمسة وعشرون شخصاً وأصيب العشرات معظمهم من الأطفال والنساء، وبينهم عسكريون من الجيش السوري، إثر إطلاق ميليشيات مسلحة صاروخاً يحمل مواد كيميائية على منطقة خان العسل جنوبي مدينة حلب. تطور وضعه البعض في سياق المساعي الدولية لدعم المعارضة والسماح لها بتحقيق مكاسب على أرض الواقع. مكاسب لا يبدو أن المعارضة قادرة على إنجازها، في ظل ما يحدث في محيط دمشق وحلب وحمص من تقدم لقوات الجيش السوري، إلا في استخدام أسلحة كاسرة للتوازن قادرة على إحداث تغيير سريع في موازين القوى، وبث الرعب في نفوس مؤيدي النظام. وتبدو المعارضة، في السياق، مرتاحة إلى الغطاء الدولي المؤمّن، والذي تجلّى في محاولات التشكيك الغربي بحدوث الهجوم.
وتحرص المعارضة المسلحة، من جهتها، على نفي الهجوم، متهمة النظام بتنفيذه. وهي وضعت الحملة الإعلامية السورية في إطار الترويج من قبل النظام لاستخدام السلاح الكيميائي. الأمر الذي حظي أيضاً بدعم غربي، عن طريق المسارعة الأميركية والأوروبية إلى «التحذير من عواقب» استخدام أسلحة غير تقليدية.
وبحسب المعلومات الرسمية، فقد سقط، أول من أمس، صاروخ في منطقة خان العسل مزود بمواد كيميائية، ما أسفر عن مقتل 21 مدنياً و10 جنود. وقال مصدر طبي لـ«الأخبار» إن المصابين الذين أُسعفوا إلى مستشفى حلب الجامعي ومستشفى الرجاء، كانوا فاقدي الوعي نتيجة استنشاق مادة كيميائية، فيما فارق بعضهم الحياة. وتجاوز عدد المصابين المئة شخص.
وبث التلفزيون السوري صوراً ظهرت فيها سيارات اسعاف تابعة لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري وهي تسعف الجرحى. ووضع المسعفون على وجوههم أقنعة قماشية. وقال احد الاطباء للتلفزيون ان الصاروخ «يحتوي مواد سامة فوسفورية تسبب اعراضا حادة مثل الغثيان وحالات غيبوية».
وأفاد مصدر مطلع لـ«الأخبار»، بأن عدداً من العسكريين، بينهم ضابط برتبة رائد في الجيش السوري، أصيبوا أثناء قيامهم بإسعاف المصابين، ما استدعى نقلهم إلى العناية المشددة. وقال أحمد العلي، وهو من أهالي المنطقة كان برفقة مصابين في مستشفى الجامعة، إن غازات سامة انبعثت عقب سقوط صاروخ على مقربة من حاجز للجيش السوري، مشيراً إلى أن تهديدات تلقاها الأهالي من المسلحين بوجوب إخلاء المنطقة «وإلا فسيتم قصفها بالصواريخ وقذائف الهاون يومياً».
وبعيد الحادثة عقد وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، مؤتمراً صحافياً حمل فيه بشدة على الدول التي تزود المعارضة بالسلاح. وقال إن حكومة رجب طيب أردوغان التركية ومشيخة قطر تتحملان «المسؤولية القانونية والأخلاقية والانسانية عن هذه الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون» في خان العسل، معتبراً أن «استخدام هذا السلاح المحرم دولياً يعد تحولاً خطيراً في مسار ما يجري في سوريا على الصعيدين الأمني والعسكري».
ولفت الوزير الزعبي إلى أنه «بارتكاب الإرهابيين هذه الجريمة يحق للحكومة السورية أن تتصرف وفق قواعد القانون الدولي وتتوجه إلى المنظمات الدولية والإقليمية للادعاء والشكوى على الدول التي سلّحت المعارضة بأسلحة محرمة دولياً لمواجهة مخاطر تزويد «جبهة النصرة» الإرهابية بمثل هذا السلاح، الذي ترافق استخدامه مع الكثير من التهويل والضغط الإعلامي والأكاذيب والافتراءات عبر شاشات معينة».
وأضاف الزعبي أن استخدام هذا السلاح القادم من خارج سوريا عبر حدود بعض الدول المجاورة، يعني أن كل المزاعم والأكاذيب التي تبديها بعض الدول، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وقطر وتركيا ودول أخرى، حول دعم المجموعات الإرهابية المسلحة بأسلحة غير فتاكة أو بدعم لوجيستي غير عسكري، هي مجرد كلام إعلامي. وأكد أنه «لو كان لدى سوريا سلاح كيميائي لما استخدمته اطلاقاً لأسباب سياسية وأخلاقية وانسانية وقيمية».
وكان الزعبي قد أشار الى ان مصدر الصاروخ منطقة كفرداعل في ريف حلب. كما أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، في تصريح للصحافيين، أن الصاروخ «اُطلق من منطقة تسيطر عليها اطراف المجموعات الارهابية المسلحة وسقط بالقرب من مقر تواجد الجيش السوري وفي منطقة تسيطر عليها القوات السورية والموالون الذين لا يخضعون الى تأثير المجموعات الارهابية». وجدد المقداد التأكيد أن بلاده «في حال امتلاكها السلاح الكيميائي لن تستخدمه قطعاً ضد شعبها وقواتها».
يشار إلى أن معلومات تم تداولها في الفترة الأخيرة عن سيطرة قوات المعارضة المسلحة على معمل لغاز الكلور في حلب، كما تم عرض شريط مصور على تجربة مقاتلين من «جبهة النصرة» لأسلحة كيميائية على أرانب، تمهيداً لاستخدامها في المعركة.
في المقابل، اتهم المتحدث باسم «المجلس العسكري الأعلى» للجيش الحر في حلب، قاسم سعد الدين، الجيش السوري النظامي بإطلاق «صاروخ مزود بسلاح كيميائي» على بلدة خان العسل. وأضاف سعد الدين أن «مقاتلي المعارضة وصلتهم تقارير ظهرت صباح اليوم (أمس) عن هجوم شنه النظام على خان العسل ويعتقدون أن قوات النظام أطلقت صاروخ سكود مزوداً بسلاح كيميائي، ثم فجأة علموا بأن النظام نسب مسؤولية الهجوم للمعارضة»، مؤكداً أن مقاتلي المعارضة «غير مسؤولين» عن هذا الهجوم.
في وقت لاحق، رفض رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان، اتهام دمشق بأن تركيا تتحمل مسؤولية الهجوم. وقال «لم تكن تركيا على الاطلاق في وضع استخدمت فيه اسلحة كيميائية. لا توجد اسلحة نووية في مخزوننا»، مضيفاً أن «النظام السوري لا يعرف ما يقوله عن تركيا».
وفي السياق، قالت منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية إنه «لا توجد معلومات من جهة مستقلة عن أي استخدام لهذا النوع من الأسلحة في سوريا كما ادعت الحكومة السورية ومقاتلو المعارضة أمس لكنها «تراقب الوضع عن كثب».
وقال المدير العام للمنظمة، أحمد أوزموجو، إنها ستنظر في التقارير الاعلامية عما حدث و«تحاول تحديد الاشارات التي يمكن رصدها» بهدف تقييم الوضع.
في المواقف الدولية (رويترز، أ ف ب) كانت روسيا أول المعلقين على هذا الحدث، حيث قالت وزارة الخارجية في بيان، إنه «وفقاً للمعلومات الواردة من دمشق سجلت في الساعات الأولى من صباح يوم التاسع عشر من آذار حالة استخدمت فيها المعارضة المسلحة أسلحة كيميائية في محافظة حلب». وأضافت الخارجية الروسية في البيان «نشعر بقلق بالغ لوقوع أسلحة دمار شامل في أيدي المتمردين، الأمر الذي يزيد الوضع في سوريا تدهورا ويصعد المواجهة في الدولة إلى مستوى جديد».
أما البيت الأبيض فأكد، من جهته، أنه يدرس باهتمام «مزاعم» استخدام اسلحة كيميائية في سوريا، لكن ليس لديه دليل يدعم اتهام المعارضة باستخدام هذه الأسلحة. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «هذه مسألة اوضح الرئيس بجلاء انها مبعث قلق بالغ لنا». وأضاف كارني، إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من احتمال أن يفكر الرئيس السوري بشار الأسد في استخدام الاسلحة الكيميائية إذا «تراخت قبضته على السلطة بشكل متزايد ووجد أن تصعيد العنف بالوسائل التقليدية غير كاف»، مضيفا «هذا مبعث قلق بالغ». وشدد على أن الموقف الأميركي لم يتغير من حيث الاقتصار في مساعدة المعارضة السورية على المواد غير المميتة. وقال كارني «موقفنا كان ولا يزال عدم امداد المعارضة بمساعدة مميتة».
من ناحيته، قال سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك ليال، إنه «لم يتم التحقق تماما» من تقارير بشأن هجوم بسلاح كيميائي في سوريا. وأضاف «لكن إذا استخدمت أسلحة كيميائية فسيكون ذلك بغيضاً وسيتطلب رداً جاداً من المجتمع الدولي».