رغم الحراك الذي يشهده العالم العربي، والمفتوح على احتمالات ومسارات متعددة ومتضاربة، كانت ولا تزال المعادلة التي تحكم تأثير النظام العربي الرسمي، في منظومة العلاقات الاميركية الاسرائيلية، «مقلوبة» وبعيدة عمّا ينبغي أن تكون عليه، إذ بدلاً من أن تجد الإدارة الأميركية نفسها مضطرة إلى أن تأخذ في الاعتبار الموقف العربي، في مقاربتها قضايا وملفات المنطقة، التي تشكل إسرائيل أحد أطرافها المباشرة أو غير المباشرة، تمارس هذه الإدارة سياسة احتواء ناجحة، حتى الآن، تجاه أنظمة ومعارضات «الربيع العربي»، في ضوء مواقفها وأدائها العملي من إسرائيل.
اعتادت الإدارة الأميركية «تسامح» (غالبية) النظام الرسمي العربي، سابقاً وحالياً، إزاء استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل وتصاعده، رغم رفض الأخيرة القبول بطروحات لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني. وبالتالي يصبح مفهوماً اعتبار الرئيس أوباما أن «عدم نضوج الحكومة الإسرائيلية للتسوية» هو الذي يحول دون ممارسة الضغوط وعدم طرحه مبادرة للتسوية (هآرتس/ 17/3/2013). والسبب ببساطة هو أنه لا يوجد ما يجعله أكثر حرصاً على «حقوق ومصالح» الشعب الفلسطيني من العرب أنفسهم، وخصوصاً أنه لم يسبق أن شعرت الإدارة الاميركية بقلق جدي من ردود فعل عربية جراء تواصل دعمها وغطائها لإسرائيل.
لكن في موازاة ذلك، تتخوف الإدارة الأميركية من المدى الذي سيبلغه الحراك الذي يشهده العالم العربي، وإمكان تفلته من حدود سياسة الاحتواء، الأمر الذي يتطلب مزيداً من ضبط إيقاع الأداء الإسرائيلي، ومزيداً من التنسيق بين واشنطن وتل أبيب، وتحديداً لجهة الموقف العملاني من تطورات الساحة السورية، ومن البرنامج النووي الإيراني... وصولاً الى عملية التسوية على المسار الفلسطيني.
لجهة الساحة السورية، فقد أعلن نتنياهو في أكثر من مناسبة أن التنسيق متواصل وعلى أعلى المستويات، بين الإدارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية، مع ما ينطوي هذا الموقف من مؤشرات حول خلفيات ما تشهده الساحة السورية ودور أميركي إسرائيلي مشترك في تثمير وتوجيه الفرص الكامنة في الحدث السوري، واحتواء ومواجهة تهديداته، ومن ضمنها المنظومات الاستراتيجية التي يملكها النظام السوري والخوف من أن «تنزلق» الى أيدي حزب الله أو بعض التنظيمات في الساحة السورية. أما لجهة إيران، فالواضح والمعلن أن أوباما يريد انضباطاً إسرائيلياً عملانياً من أجل عدم توريط الولايات المتحدة والعالم في أزمة وصراع ستكون أثمانهما الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية باهظة على العالم الغربي، والسبب بكل بساطة أن المعادلة التي تصح في الحالة العربية إزاء العلاقات الاميركية الاسرائيلية، لا تنسحب على إيران، إذ إن القلق الجدي من رد فعل إيران على أي اعتداء إسرائيلي على منشآتها النووية، دفع المسؤولين الاميركيين، السياسيين والعسكريين والأمنيين، إلى الطلب مراراً وتكراراً من قادة تل أبيب عدم التفرد في اتخاذ قرار عملاني يستهدف إيران، حتى بلغ مرحلة التراشق عبر وسائل الاعلام خلال العام الماضي، حول الخط الأحمر الواجب فرضه على إيران.
أما فلسطينياً، فقد بذل «رجال» أوباما جهوداً كبيرة خلال الاسابيع الماضية من أجل تخفيض سقف توقعات الطرفين الفلسطيني والعربي، وإسقاط رهاناتهم على إمكانية أن يبادر أوباما الى ضغط جدي على إسرائيل من أجل التوصل الى تسوية تتلاءم مع الشعارات التي ترفعها السلطة الفلسطينية، رغم إدراك وتأكيد القيادات الاميركية لأهمية هذه المسألة وموقعها في الخطة الاميركية في مواجهة ما تشهده المنطقة من تطورات تاريخية واستراتيجية. وضمن هذا الإطار يأتي ما أعلنه نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، من أن «التغييرات في الشرق الأوسط تستوجب أيضاً تغييراً في نمط التفكير الإسرائيلي»، داعياً إسرائيل إلى أن تأخذ في الاعتبار المستجدات في المنطقة العربية، وأن «تفهم الدور الكبير للرأي العام في العالم العربي».