هناك محطات في تاريخ المعارضة الحزبية السورية: تشكيل «اعلان دمشق» في 16 تشرين أول 2005 بوصفه أكبر تجمع معارض في فترة حكم حزب البعث منذ 8 آذار1963، ضم الاتجاهات الاسلامية والليبرالية والقومية العروبية والكردية، إضافة إلى حزب ماركسي هو حزب العمل الشيوعي. انبنى هذا التحالف العريض على توقع تغيير سوري، شبيه بالذي جرى في لبنان عام 2005، في مناخات من الصدام الأميركي- السوري. في الأول من كانون الأول عام 2007، وأثناء انعقاد «المجلس الوطني لاعلان دمشق» حصل تصدع للاعلان بين ضفتين: الليبراليون في «حزب الشعب» والأحزاب الكردية السبعة المنضوية في الاعلان ما عدا «الحزب اليساري الكردي»، وأغلب المستقلين من جهة، و«حزب الاتحاد الاشتراكي» و«حزب العمل الشيوعي» من جهة أخرى، اللذان رفضا مراهنة الليبراليين وتلك الأحزاب الكردية على «العامل الخارجي» في التغيير الداخلي. تجسّد ذلك التصدع في اسقاط مرشحي هذين الحزبين لانتخابات هيئة الأمانة العامة للاعلان، التي جرت ذلك اليوم في اجتماع المجلس. كان هذا التصدع قد سبقه انتقال «الاخوان المسلمين» في حزيران 2006 إلى تشكيل «جبهة الانقاذ» مع نائب الرئيس المنشق عبد الحليم خدام، ولكن من دون أن يتركوا الاعلان بشكل رسمي. أفقد هذا التطوران «اعلان دمشق» صفته العريضة، بعد أن أصبح مقتصراً عملياً على الليبراليين والقوميين الأكراد، وفقد عضوية مكوناته الناصرية والماركسية، مع نأي اسلامي، قبل أن يقرر «الاخوان» ترك الاعلان من خلال تجميد نشاطهم المعارض في 7 كانون ثاني2009 أثناء حرب غزة، واتجاه «حزب الاتحاد الاشتراكي» و«حزب العمل الشيوعي» و«الحزب اليساري الكردي»، وهما منضويان منذ 20 نيسان 2007 مع تنظيمات ماركسية أخرى في «تجمع اليسار الماركسي»، إلى اجراء محادثات من أجل تشكيل «الخط الثالث» بين السلطة و«الاعلان». واستمرت محادثاته بين الشهر الأول من عام 2008 وتموز2010، وشارك بها مستقلون أيضاً من الاتجاهين القوميين: العروبي والكردي، وماركسيون، وحزب كردي ثاني هو «الحزب الديمقراطي الكردي- البارتي» بقيادة نصرالدين إبراهيم، وهو غير «البارتي» المرتبط بمسعود برزاني الذي ظل في «اعلان دمشق». في30 كانون أول 2009، اتجهت الأحزاب الكردية السورية إلى تجمع كردي عريض خاص أسمي «المجلس السياسي الكردي»، ضمّ ثمانية أحزاب كانت موزعة المدارات لعقود خلت بين مسعود البرزاني وجلال الطالباني، وكان ملفتاً للنظر عدم انضمام «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي هو امتداد سوري فكري - سياسي لحزب العمال الكردستاني، إلى هذا التجمع الجديد، وهو عملياً أقوى حزب كردي سوري منذ تأسيسه في 20 أيلول2003.
من دون هذه المحطات لا يمكن القبض المعرفي على عملية الأداء السياسي للمعارضة السورية في فترة ما بعد اندلاع الأزمة السورية. في يوم 9 أيار 2011، عرضت ورقة كتبت بين دمشق وباريس، من قبل معارضين سوريين مستقلين، على القوى السياسية السورية المعارضة: «اعلان دمشق» و«حزب الاتحاد الاشتراكي» و«المجلس السياسي الكردي» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» و«تجمع اليسار الماركسي»، وعلى مستقلين أفراد. كان ملفتاً استثناء «الاخوان المسلمين». هدفت هذه الورقة إلى تشكيل تحالف عريض من القوى والشخصيات المعارضة لملاقاة الأزمة السورية التي نتجت عن حراك شعبي بدأ يعمّ العديد من البلدات والأرياف والمدن من خلال تحرك عفوي باستثناء الوسط الكردي. تراوح نفس الورقة بين طرحين اصلاحي وتغييري، ولم تصل إلى طرح اسقاطي للنظام.
عملياً، كانت ورقة 9 أيار2011 هي الأساس الذي انبنى عليه تأسيس «هيئة التنسيق» في يوم 25 حزيران2011، الذي وقّع على وثيقتها التأسيسية «حزب الاتحاد الاشتراكي» و«تجمع اليسار الماركسي» وأربعة أحزاب من أحزاب «المجلس السياسي الكردي» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» ومستقلون. بشكل أو بآخر كانت «الهيئة» نتاج ذلك الجنين الذي نما بين 2008 و2010 في محادثات «الخط الثالث»، مع إضافة نوعية تمثلت في «حزب الاتحاد الديمقراطي»، ولتكون تمثل عملياً اليسار العروبي والكردي والماركسي. في صيف 2011 عاد «اعلان دمشق» للتلاقي مع «الاخوان المسلمين» وقد تلاقيا على طرح يتجاوز الطرحين الاصلاحي والتغييري باتجاه طرح ينادي بـ«اسقاط النظام»، مع تنويع جديد عليه يتجه إلى المراهنة على «العامل الخارجي للتغيير» كما جرى في ليبيا. في الأسبوع الأول من أيلول2011 جرت محادثات ثلاثية في الدوحة بين «الهيئة» و«الاعلان» و«الاخوان» من أجل تشكيل تجمع عريض، وضعت مسودته وكان مقرراً، لو وافقت الكيانات الثلاث عليه، اعلانه في يوم الأربعاء 14أيلول من دمشق تحت اسم «الائتلاف الوطني السوري». فشلت المحادثات وولادة الائتلاف بسبب رفض «الاعلان» و«الاخوان» لطلبات المكتب التنفيذي للهيئة، باجتماع الأحد11أيلول، في تضمين وثيقة تأسيس «الائتلاف» لـرفض التدخل العسكري الخارجي والاعتراف بالوجود القومي الكردي وايجاد حل عادل للقضية الكردية.
عملياً، كانت هذه الطلبات الثلاث، وخاصة الطلبين الأولين، هما السبب في انقسام المعارضة السورية بين «الهيئة» و«المجلس الوطني»، الذي اتجه «الاخوان» و«اعلان دمشق» إلى تأسيسه في 2 تشرين أول2011 باسطنبول. اصطدم طلب التدخل من «المجلس» بالحائط الدولي لما أعلنت روسيا والصين في 4 تشرين أول 2011 عن رفضهما لتكرار سوري للسيناريو الليبي من خلال استخدامهما للفيتو في مجلس الأمن. كان هذا تدويلاً للأزمة السورية جعل من غير الممكن أميركياً وأوروبياً وتركياً التدخل العسكري في سوريا وجعل «العنف المعارض» في مواجهة عنف السلطة محكوماً بموازين وبسقوف صراع الكرملين مع البيت الأبيض على الأرض السورية. هذا الصراع الذي كان وما زال ليس صراعاً على سوريا وإنما صراعاً في سوريا من أجل رسم خارطة جديدة للعلاقات الدولية، يريد الكرملين من خلاله كسر القطبية الأحادية. وهو ما يفسر، إضافة لروسيا وأميركا، مشاركة إيران وتركيا والسعودية في هذا الصراع على الأرض السورية، في أكبر أزمة دولية - اقليمية شهدتها العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
فشل مجلس اسطنبول في استدعاء التدخل العسكري، ثم منذ تموز 2012 في «استعمال العنف المعارض وسيلة لاسقاط النظام» بعد انسداد الخيار الأول. لم تلامس تسديدات كرات هذا المجلس شباك المرمى ولا مرة واحدة، لذلك كان طبيعياً أن تقف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تشرين أول 2012 لكي تعلن «انتهاء صلاحية المجلس»، وتدعو إلى تشكيل كيان سياسي جديد ولد في 11 تشرين ثاني تحت اسم «الائتلاف الوطني السوري». أرادت الولايات المتحدة أن يكون ذراعها السوري في التسوية الأميركية- الروسية التي بانت ملامحها منذ بيان جنيف الصادر يوم30 حزيران 2012.
عملياً، منذ خريف 2012 أصبحت المعارضة السورية مقسومة بين «أنصار الحل السياسي»، وهو ما يضم «هيئة التنسيق» وبعض قيادات «الائتلاف» مثل أحمد معاذ الخطيب ورياض سيف، وأيضاً الأحزاب الكردية التي اتجهت في 26 تشرين أول 2011 إلى تأسيس «المجلس الوطني الكردي»، وقامت بالانسحاب - ما عدا حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ظل في «الهيئة» حتى الآن - من عضوية «الهيئة» و«المجلس» منذ الشهر الأول من عام 2012، بعد رفض طلباتها حول «تقرير المصير» من كلا الكيانين السوريين المعارضين، وبين «أنصار الحل العسكري» وهو ما يشمل «الاخوان» و«اعلان دمشق» وغالبية «المعارضة السورية المسلحة». لم يعد انقسام2011-2012 حول «التدخل العسكري الخارجي» قائماً عملياً عام2013، ولو أن طرفا ذلك الانقسام هما ذاتهما، مع تنويعات جديدة.
تدل المؤشرات على أنّ «الائتلاف» سيكون مصيره مثل «المجلس» بعد أن أثبتت الأزمة الناشبة بين «الاخوان» و«اعلان دمشق» مع الخطيب، بسبب قبوله بالتسوية السياسية، بأنّ هذا الكيان السياسي الجديد ليس مؤهلاً أو قادراً على تلبية المتطلبات الأميركية من أجل أن يكون المركب الخاص في بحر التسوية الأميركية - الروسية. ربما يقود ذلك إلى انقسام «الائتلاف»، وإلى تقارب جناحه القابل بالتسوية السياسية للأزمة من «الهيئة»، وإلى خريطة جديدة للمعارضة السورية يجعلها متحددة بين ضفتين: القابلون للحل السياسي للأزمة في مواجهة أنصار الحل العسكري. وخاصة مع تشكل مناخات قوية، مع تولي جون كيري للخارجية الأميركية، تدل على نضوج التوافق الأميركي- الروسي.



أربيل ترعى أكراد سوريا

تشكّل «المجلس الوطني الكردي» في سوريا في 26 تشرين الأول 2011، في أربيل بالعراق، برعاية رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني (الصورة). وقد حظي المجلس في البداية بدعم الأحزاب الكردية، التي كانت منضوية في السابق تحت لواء الجبهة الديمقراطية الكردية، والتي كانت تضمّ أحد عشر حزباً سياسياً كردياً سورياً.
في 11 حزيران عام 2012، وقعّ المجلس الوطني الكردي اتفاقية تعاون مع «مجلس شعب غربي كردستان». وقد شكّل مجلس شعب غربي كردستان والمجلس الوطني الكردي مجلساً أعلى كردياً مشتركاً، في اتفاق تكميلي عقد في 1 تموز 2012، والتزما بإنشاء لجان أمنية وكذلك قوات دفاع مدني غير مسلّحة لحماية المناطق الكردية.