هي الحكومة الثالثة والثلاثون في تاريخ إسرائيل، والحكومة الثالثة التي يرأسها بنيامين نتنياهو. تعدّ 22 وزيراً _ من ضمنهم رئيس الوزراء _ جمعيهم أصحاب حقائب، وغالبيتهم الساحقة من ذوي الأصول الأشكنازية، وبعض كبارهم حديثو العهد بالسياسة، كيائير لبيد، وزير المال ورئيس ثاني أكبر حزب في الائتلاف. تستند الحكومة إلى قاعدة برلمانية من 68 عضو كنيست، موزعة بين خمسة أحزاب هي الليكود بزعامة نتنياهو (20 نائباً)، و«يوجد مستقبل» بزعامة لبيد (19 نائباً)، والبيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت (12 نائباً)، وإسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور لبيرمان (11 نائباً)، و«الحركة» بزعامة تسيبي ليفني (6 نواب). في توزيع الحصص الوزارية، حصل الليكود على سبع حقائب، أهمها الدفاع، التي سيشغلها موشيه يعالون، والداخلية، في حين حصل «يوجد مستقبل» على خمس حقائب أبرزها المال، التي سيرأسها يائير لبيد، والتربية. وكانت حصة «إسرائيل بيتنا» خمس حقائب كذلك، على رأسها الخارجية التي ستبقى وديعة في عهدة نتنياهو ريثما تنتهي محاكمة ليبرمان الجارية في إحدى تهم الفساد. أما نصيب «البيت اليهودي» فكان ثلاث حقائب، اثنتان منها وازنتان هما «الاقتصاد والتجارة» التي سيرأسها بينيت نفسه، والإسكان. ويبقى لليفني وزارتان هما العدل، برئاستها، والبيئة.
ومن المؤكد أن الحكومة، بتركيبتها الائتلافية، كانت بالنسبة إلى نتنياهو أسوأ البدائل التي وفرتها نتائج الانتخابات. ولعلها من المرات النادرة في تاريخ إسرائيل التي اضطر فيها رئيس وزراء مكلف إلى تشكيل حكومة فرضت تركيبتها عليه بكل معنى الكلمة، حتى أجمع المعلقون الإسرائيليون على وصفها بحكومة «اللا خيار». فمصلحة نتنياهو كانت تكمن أساساً في إشراك الأحزاب الحريدية (شاس ويهدوت هاتوراة)، حلفائه التاريخيين، الذين لا يشكلون تهديداً له بفعل طبيعتهم الفئوية المغلقة، ويمكن دائماً شراء مواقفهم في القضايا السياسية الكبرى بواسطة الخدمات والأموال.
وإلى الحريديم، أراد نتنياهو أن يضم «حركة» ليفني وما بقي من «كديما»، وهما أصغر من أن ينافساه، على أن يشرك في النهاية حزب العمل. وهو لم يرغب في مشاركة لبيد أو بينيت اللذين رأى فيهما حصان طروادة في ضوء طموحهما المعلن إلى خلافته، سواء في رئاسة الحكومة أو في زعامة ما يعرف بالمعسكر القومي.
إلا أن المفاجآت التي جعلت ظروف المفاوضات الائتلافية شبه مستحيلة كانت في انتظاره. وهي بدأت مع إعلان حزب العمل القاطع عدم المشاركة في الحكومة، وتواصلت مع تحالف لبيد وبينيت الذي تحول إلى سدّ صلب استعصى على محاولات الاختراق والمناورة، وانتهت بإصرار لبيد على عدم إشراك الحريديم. وهكذا اضطر نتنياهو إلى خوض لعبة مكاسرة مع ثنائي لبيد _ بينيت من موقع ضعف واضح كان البديل منها الذهاب نحو انتخابات جديدة أنبأت الاستطلاعات بأنها ستكون كارثية له.
وفي هذه اللعبة، لم يكن أمام نتنياهو سوى تقديم التنازلات تلو الأخرى: بدءاً من الموافقة على عدم إشراك الحريديم، مروراً بخفض عدد وزراء الحكومة، وصولاً إلى التخلي عن وزارتي المال والتربية لمصلحة لبيد والتسليم له بإجراءات مستقبلية تتعلق بفرض «المساواة في عبء» الخدمة العسكرية وتغيير مناهج التعليم بما يتعارض مع الاتجاهات الحريدية.
وفي ضوء حصولهما على كل مطالبهما تقريباً، كان من الطبيعي أن يكون لبيد وبينيت أبرز الرابحين في الحكومة الجديدة، بموازة الحريديم وكديما اللذين هما أبرز الخاسرين. أما نتنياهو والليكود بيتنا، فيمكن القول، بالرغم من كل شيء، إن مكاسبهما العددية وازنت خسائرهما الائتلافية والسياسية. فإلى جانب النجاح في استعادة وزارة الدفاع والاحتفاظ بوزارة الخارجية، تمكّن «الليكود بيتنا» من حصد حصة وزارية تفوق نصف العدد الإجمالي للحقائب الحكومية (12 من أصل 22) رغم أن عدد مقاعده البرلمانية أقل من نصف عدد القاعدة النيابية للحكومة (31 من 68).
بيد أن ثمة من يرى أن المسألة الكمية ليست العنصر الأهم في حكومةٍ كالتي شكلها نتنياهو، وإنما يتعلق الأمر بأسئلة ذات صلة بمركز الثقل وطبيعة التوازنات فيها وبمدى قابلية عناصرها لإنتاج رؤية مشتركة والعمل وفقاً لها ضمن شراكة طولية وقواعد لعب متفق عليها. أو بحسب تعبير أحد المعلقين الإسرائيليين: هل لهذا المولود الذي هو نتاج حالة اغتصاب القدرة على الحياة والعمل؟
المؤكد أن نتنياهو وحزبه سيكونان أكثر ضعفاً في هذه الحكومة ممّا كانا عليه في الحكومة السابقة. وهو سيكون مرتهناً لثلاثة شركاء حكوميين (لبيد، بينيت وليبرمان) بإمكان أي منهم إسقاط الحكومة ويجمع بينهم الطموح إلى وراثته، ما يجعل سلوكهم منطلقاً من السعي إلى إضعافه وحزبه لمصلحة زعاماتهم وأحزابهم. ويمكن القول إن نماذج أولية من هذا السلوك قد سُجلت خلال المفاوضات الائتلافية، حين فرض كل من بينيت ولبيد جدول أولوياتهما على نتيناهو رغم أنفه.
وفي الحديث عن جدول الأولويات، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تشبه أكثر من أي شيء آخر البرامج الانتخابية التي جرت على أساسها الانتخابات الأخيرة. فالقضايا ذات الطابع السياسي والاستراتيجي راوحت في الظل لمصلحة التركيز على القضايا ذات الصلة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والدستوري. وتشهد على ذلك الاتفاقات الائتلافية التي تمحورت بنودها حول الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، في حين غابت عن بعضها الموضوعات السياسية أو أدرجت في البعض الآخر ضمن الفقرات الأخيرة بما يشبه رفع الحرج.
وأياً يكن، فإن التشديد على الأولوية الداخلية لدى بعض مكونات الحكومة، معطوفاً على مضاعفة معسكر الاستيطان لقوته فيها من خلال السيطرة على مفاتيح أساسية تتعلق بالنشاط الاستيطاني كوزارتي الإسكان والدفاع، سيكونان كفيلين بإجهاض أي تقدم على جبهة التسوية، برغم دور «ورقة التوت» الذي ستلعبه تسيبي ليفني للتغطية على يمينية الحكومة.