مشهد لا تخطئ عين دلالته. صورة مقر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين التي ينحدر منها الرئيس محمد مرسي في مواجهة صورة مقر الحزب الوطني المنحل المحترق، عرضهما جنباً الى جنب الناشط السياسي علاء عبد الفتاح على «فايسبوك». عبد الفتاح علق على الصورتين، مشيراً إلى التفاوت بين حجم المقر العملاق المحترق ومقر الجماعة الصغير نسبياً، في إشارة واضحة إلى أن المقر الجديد هدف أسهل للحرق، وكأنما يحذر الجماعة من مصيرها بعبارة «الجريمة لا تفيد».
وبدت الجماعة الحاكمة عبر أحداث حي المقطم، أول من أمس والتي تواصلت أمس، كأنما تتعجل الأحداث في اتجاه يضعها في موقع الحزب الوطني، وخصوصاً أن المقارنة بين أداء الحكام الغابرين والحكام الجدد أصبح يتسع يوماً تلو الآخر.
فالصور التي عرضت لشباب ينتمون إلى الجماعة، وهم يعتدون على نشطاء كانوا يرسمون شعارات مناهضة لها على الجدران والأرضية القريبة من مقر الإخوان المسلمين في المقطم، لم تحاول الجماعة ادعاء تلفيقها أو نفي انتماء الشباب المتورطين في الأحداث إليها.
محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد والمتحدث باسمها، برر الواقعة بأنها جاءت بعد تعمد «عدد من المتظاهرين سبّ الإخوان وقيادتهم بأقذع الألفاظ واستفزاز شبابنا الموجودين أمام المقر، وشارك في الاستفزاز بعض الصحافيين والمصورين».
من جهته، قال عبد المنعم عبد المقصود، وهو محامي جماعة الإخوان المسلمين، لـ«الأخبار»، إنه لم يستطلع بعد رأي مكتب الإرشاد في المسار القانوني للأزمة بعدما قدم مجلس نقابة الصحافيين بلاغاً للنائب العام ضد الجماعة على أثر الاعتداءات التي طاولت أعضاء النقابة. وأضاف «لكن ينبغي التأكيد هنا على أن أعضاء الجماعة يقولون إنهم تعرضوا للاعتداء كذلك». ولم يستبعد تفجر الأحداث مجدداً الجمعة المقبلة في حال تعرّض الجماعة للسب في التظاهرات التي دعا إليها نشطاء أمام مقر مكتب الإرشاد رداً على الاعتداءات.
أما ردود أفعال شباب الجماعة على تفجر فضيحة اعتداء الشاب الإخواني أحمد خيري، على الناشطة ميرفت موسى، فجاءت أكثر جرأة بمراحل وربما تنم عن حقيقة موقف الجماعة. خيري نفسه قال على حسابه الشخصي على «فايسبوك»، متفاخراً بفعلته «لما ضربت العاهرة الملقّبة بأمّ الفجار ولطمتها على وجهها مكنتش بضربها هي كشخص، كنت أرى أمامي جميع عاهرات فاجرات بنو ليبرال (في إشارة إلى الليبراليين). ومن الآن وصاعداً سوف تكون هذه المعاملة مع أمثالهن الى أن يتُبن ويرجعن الى الله».
من جهته، يحاول كمال الهلباوي، وهو قيادي بارز انشق عن الإخوان المسلمين، تفسير سلوك الجماعة أول من أمس بالقول «إن الأمر بالطبع يتضمن شعوراً عميقاً لدى الجماعة بالتهديد من جراء كل هذا الهجوم الذي تتعرض له في التظاهرات المستمرة ضدها».
اما أحمد دومة، وهو ناشط أصيب على يد عضو في الجماعة، فرأى أن الأحداث في مجملها «تعبير عن عجز الجماعة عن احتواء الأثر السلبي على صورتها، بينما تواجه بالعنف معارضين مسالمين كما حدث في وقائع متكررة سابقة، وهو ما استفزها بشدة على نحو عجزت معه عن ضبط نفسها حيال سلوك معارضين يقاومونها بالفرشاة والألوان».
دومة روى لـ«الأخبار» أن الاستفزاز الأكبر لشباب الجماعة كان عبارة «هنا حظيرة الخرفان» التي كتبها على جدار على مقربة من مقر مكتب الإرشاد، في إشارة إلى مبدأ السمع والطاعة لدى الجماعة الذي يشكل مادة لسخرية المعارضة التي بدت مصممة على استمرار تحركاتها الاحتجاجية أمام مقر الجماعة في المقطم بعدما احتشد أنصارها لساعات قبالة المقر، حيث اندلعت اشتباكات بين المحتجين والشرطة التي عززت من وجودها في المكان. وعمدت الشرطة إلى إلقاء القبض على عدد من المتظاهرين الذين كرسوا من خلال تواتر احتجاجاتهم في المقطم أن المقر الحقيقي الذي تدار منه البلاد هو مقر جماعة الإخوان المسلمين وليس قصر الاتحادية، حيث يقيم الرئيس محمد مرسي، وخصوصاً أن الأخير يعجز من خلال أدائه الضعيف عن إقناع مواطنيه بقدرته على الحكم.
ولم تكن زيارته لسوهاج، يوم السبت الماضي، التي استقبله فيها المواطنون بالحجارة والتنديد بحكم الإخوان، سوى تأكيد إضافي على هذا الفشل. ولعل الكشف عن أن الشقق التي تفاخر مرسي بتوزيعها على المواطنين خلال زيارته، سبق أن قام بتوزيعها الرئيس السابق محمد حسني مبارك قبل الثورة بأسابيع، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مرسي يعيش أكثر من أي وقت مضى في ماض يعجز عن ابتداع طريق للخروج منه.