في تشرين الثاني من العام الماضي، علّق كل من ماجد المذحجي ورضية المتوكل عضويتهما في اللجنة الفنية المكلفة الإعداد للحوار الوطني اليمني المزمع انطلاقه اليوم، قبل أن يتقدما باستقالتهما لاحقاً اعتراضاً على ما اعتبراه، في حينه، تحويل اللجنة إلى مجرد شاهد زور على قرارات تفرض عليها من قبل مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، برضى القوى السياسية، بعدما حسم الأخير في حينه نسب تمثيل القوى السياسية، متعدّياً على صلاحيات اللجنة.
هذا المشهد يخشى كثيرون أن يتكرر في الحوار الوطني، المزمع انطلاقه اليوم، تماشياً مع ما أقرته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، بعدما كشفت الساعات التي سبقت انعقاد الجلسة الافتتاحية في القصر الرئاسي بعضاً من فضائح الإعداد للمؤتمر، معيدةً تجديد الشكوك بأن مخرجاته لن يصوغها المندوبون، بل سيتم فرضها متى ما حانت اللحظة، من قبل تحالف القوى التقليدية، بالتواطؤ مع بعض الدول الخارجية.
المؤتمر، وفقاً للوثيقة التي أعدّتها اللجنة الفنية للحوار، سيتطرق إلى 13 قضية، يفترض أن البحث الجدي فيها سيؤدي إلى إعادة صياغة النظام اليمني برمته، ووضع أسس الدولة المدنية، وخصوصاً أن انعقاد الحوار يأتي في لحظة استثنائية في التاريخ اليمني، وتحديداً لجهة التحديات والمخاطر التي يواجهها، وأخطرها يتهدد البلاد في وحدتها.
هذه القضايا موزعة بين القضية الجنوبية، صعدة، المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، قضايا ذات بعد وطني (تشمل النازحين واسترداد الأموال المنهوبة في الداخل والخارج بسبب سوء السلطة)، بناء الدولة (الدستور، مبادئه وأسسه)، الحكم الرشيد، أسس بناء الجيش والأمن ودورهما، استقلالية الهيئات. كما ستناقش أيضاً قضايا أخرى، بينها: «الحقوق والحريات، التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة، قضايا اجتماعية وبيئية خاصة».
لكن على الرغم من خطورة هذه القضايا، فإن الأجواء الكفيلة ببحثها بجدية على مدى 6 أشهر، كما هو مقرر، يبدو أنها غير مهيّأة. التدقيق في كيفية توزيع المندوبين الـ 565 المناط بهم بحث هذه القضايا، يكشف أن جلهم يتوزعون على مجموعة من القوى السياسية التقليدية، وفي مقدمهم المؤتمر الشعبي العام، الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومنح 112 مقعداً في الحوار. أما ثاني قوة من حيث نسبة التمثيل في الحوار، فيمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي خصص له 62 مندوباً. ثالث قوة في الحوار، كان يفترض أن تتمثل في الحراك الجنوبي بمختلف تياراته، سواء المنادية بالفدرالية أو فك الارتباط، إلا أن غالبية قيادات الحراك ستغيب عن الحوار باستثناء القيادي محمد علي أحمد، الذي سبق أن أكد أن الحوار يمثل فرصة للجنوبيين لا بد لهم أن يشاركوا فيه لطرح وجهة نظرهم.
القوة الرابع يجسدها التجمع اليمني للإصلاح، الذي خصص له خمسين مندوباً، فيما نال الحوثيون 35 مندوباً في الحوار، وخصص 37 للحزب الاشتراكي مقابل 30 مندوباً للحزب الوحدوي الناصري. نظرياً أيضاً، نال الشباب المستقلون 40 مقعداً، وهو نفس العدد المخصص للنساء المستقلات، ومعهن ممثلو المجتمع المدني، فيما منحت الأحزاب الصغيرة 7 مندوبين.
أما عند التدقيق في لائحة أسماء المندوبين، فتظهر المفارقة _ الفضيحة، بعدما تبيّن أن 24 عائلة حصدت 71 مندوباً في الحوار بمعدل وسطي 3 أفراد للعائلة الواحدة. وهو ما أثار استياء كثيرين، ذهب البعض منهم إلى وصف الحوار بأنه «حوار عائلي».
لكن هذا التفصيل ليس التحدي الوحيد الذي سيواجه الحوار. المراقب لتصريحات القوى المشاركة سيكتشف أن أياً منها لم تقدم وجهة نظر متكاملة إزاء القضايا الثلاث عشرة التي ستناقش، في حين أن بعضاً من هذه القوى لا يهمها من الحوار سوى ما سيخرج منه حول نظام الحكم الذي سيعتمد، وما إذا كان سيفضي إلى اعتماد فدرالية أساسها إقليمان جنوبي _ شمالي، أم أنه سيقسم اليمن إلى 5 أقاليم كما بدأ يتردد.
هذا الجو الذي سينعقد الحوار في إطاره، دفع النائب أحمد سيف حاشد، وهو أحد الذين ورد اسمهم في لائحة المندوبين، إلى إعلان انسحابه وعدم رغبته في المشاركة، فيما ترددت أنباء عن عدم مشاركة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة. كما كان مفاجئاً إعلان القيادي البارز في حزب الإصلاح، حميد الأحمر، الانسحاب. وإن كان انسحاب الأحمر لا يمكن وضعه، من وجهة البعض، إلا في خانة الابتزاز السياسي للرئيس اليمني بهدف تعزيز مكاسبه السياسية والعائلية، فإن أحمد سيف حاشد أكد لـ«الأخبار» أن خطوته جاءت «لأننا شعرنا بأن مراكز القوى التي كانت سبباً في خراب اليمن ودماره، طوال السنوات السابقة، موجودة في الحوار وهي التي ستتحكم بمخرجاته».
خطأ آخر يتحدث عنه أحمد سيف حاشد يتمثل في عدم وجود أي مناخات للتهيئة للحوار. وأوضح أن النقاط العشرين التي قدمت من قبل اللجنة الفنية للتهيئة للحوار لم يعمل بها. وهو نفس الفشل الذي طاول خلال الأشهر الماضية عدداً من القضايا الرئيسية الأخرى، بينها مشكلة هيكلة الجيش، إقرار قانون العدالة الانتقالية والأهم الجنوب، مستبعداً أن يكون الحوار الوطني قادراً على حلها.
ونبّه سيف إلى أن مراكز القوى التي لطالما وقفت في وجه الدولة المدنية حاضرة اليوم بقوة في مؤتمر الحوار ولن تألو جهداً للحفاظ على نفس تركيبة النظام. وهي تركيبة تلائم من وجهة نظره بعض الدول الإقليمية، وتحديداً السعودية وقطر اللتين تحاولان فرض أجندتهما على البلاد على حساب مصالح اليمن، مستفيدتين من تقاطع مصالحهما مع مصالح مراكز القوى التقليدية.
تشاؤم حاشد من نتائج الحوار يشاطره فيه الناشط الحقوقي عبد الرشيد الفقيه، الذي حذر من أن الحوار مجرد محطة أخيرة لقطار إهدار فرص هذا البلد في التحول الذي أمنته احتجاجات 2011. الفقيه أكد لـ«الأخبار» أن الحوار «صمم ليكون مجرد مؤتمر شكلي لا يقارب المشكلات الحقيقية لليمن ويعالجها، وليكون مجرد ورشة عمل يفضفض فيها الناس ويعودون إلى منازلهم، فيما تعيد فعلياً مراكز القوى المتخلّفة سيطرتها على البلاد ومصيرها ومقدراتها وهذا يحدث بتواطؤ دولي وإقليمي». وأوضح أن «من حسم موضوع نسب تمثيل القوى وصادر تسمية ممثلي الشباب والمجتمع المدني والمرأة، ومن أعدّ ميزانية المؤتمر خارج لجنة الحوار هو من سيتدخّل أيضاً في صياغة المخرجات».



«الحوار العائلي»

فور صدور لائحة أسماء المشاركين في الحوار الوطني التي اعتمدها الرئيس اليمني، عبد ربه مصنور هادي (أول من أمس)، فوجئ اليمنيون بأن 24 عائلة حصدت 71 مندوباً، فضلاً عن سيطرة الكثير من القوى القبلية والمشائخ، ما أثار موجة من التعليقات الساخرة على موقع «الفايسبوك»، وخصوصاً أن بعض الأسماء شملت آباء وأبناءهم أو رجالاً وزوجاتهم وحتى أشقاء، فيما حرمت مناطق واسعة من التمثيل في المؤتمر.
وإن كانت الآلية التي أدت إلى اختيار هذه الأسماء لا تزال مجهولة، فإن البعض تساءل عن «مصدر دعوات الزفاف» الموجهة إلى اثنين من كل عائلة، فيما تساءل آخرون عما إذا كان «الحوار الوطني اشترط وجود محرم مع كل امرأة تشارك في الحوار»، وعما إذا كان من شروط الحوار أن يوصل كل أخ أخته إلى الحوار، فيما سأل آخرون عما إذا كان سيتم تخصيص قسم للعائلات في الحوار.