٦ أيام فقط تفصل اليمنيين عن موعد الحوار الوطني، لكن الآمال المعقودة عليه لا تكاد تذكر. القضية الجنوبية، التي من المفترض أن تتصدر محاوره، تبدو الأطراف المعنية بها أبعد ما يكون عن المشاركة في الحوار. حتى اللحظة لا اختراق جدياً سيؤمن جلوس فصائل الحراك الرئيسية على المقاعد المحجوزة لها.
مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، نظّم، قبل أيام في دبي، لقاءً لعدد من القيادات الجنوبية، سواء من يرى منها في الفدرالية حلاً وسطاً يمهد الطريق أمام حق تقرير المصير للجنوب، أو من يرى أنه لا سبيل سوى في استعادة فورية للدولة. لكن بن عمر فشل في إقناع أي من هذه القيادات بالمشاركة في الحوار، بالرغم من الاتفاق على أنه لا سبيل لحل القضية الجنوبية إلا بالحوار. لكن أي حوار؟
رئيس الوزراء السابق، أبو بكر حيدر العطاس، أكد في اتصال مع «الأخبار» أن الشروط التي تمكننا من المشاركة في الحوار الوطني لم تتوفر. من يعرفون بأصحاب مشروع القاهرة، وفي مقدمهم الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر والعطاس، قدموا عدداً من النقاط منذ أشهر لبن عمر عندما التقوه في القاهرة بوصفها شروطاً لا بد منها لتهيئة المجال أمام قبول الجنوبيين بالمشاركة في الحوار، في مقدمها القبول بمبدأ الحوار الجنوبي الشمالي وليس حواراً يمنياً تكون القضية الجنوبية جزءاً منه. لكن هذه النقاط ذهبت أدراج الرياح، على غرار النقاط العشرين التي سبق أن قدمتها اللجنة المكلفة بالإعداد للحوار مع الرئيس هادي. ومن هنا لا حرج من عدم المشاركة، لأن المسؤولية يتحملها من يتولى الإعداد للحوار، سواء مكتب الأمم المتحدة أو السلطة السياسية.
موقف العطاس، ومن خلفه علي ناصر، الرافض للدخول في الحوار الوطني بصيغته الحالية يتلاقى أكثر من أي وقت مضى مع نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض، صاحب الموقف الأكثر تشدداً بين القيادات الجنوبية. الأخير، الذي صنفه بيان مجلس الأمن قبل فترة وجيزة بأنه من بين معرقلي التسوية السياسية في اليمن وهدده بعقوبات، أبدى هذه المرة بعض المرونة الدبلوماسية بموافقته على إيفاد مبعوثين له إلى دبي. الخضر محمد ناصر الجعري، أحد هؤلاء. الأخير أكد لـ«الأخبار» أنه وزميله محمد علي السقاف اكتفيا بحمل رسالة من البيض إلى بن عمر بخصوص موقف قوى الحراك من الحوار وشروطه.
الرسالة كان لافتاً فيها مدى التركيز على أهمية موقع اليمن الاستراتيجي بالنسبة إلى الخليج والغرب، وإن كان لا جديد فيها إن لناحية الشروط التي يضعها البيض للتفاوض أو لجهة شرح مضمون القضية الجنوبية.
الأمر نفسه ينسحب على الحوار «الذي نرى أنه لا يعنينا»، وفقاً للجعري لأن المطلوب تفاوض بين شمال وجنوب، وليس حواراً على أساس مبادرة خليجية لم تأخذ بعين الاعتبار القضية الجنوبية بالرغم من أهميتها. صحيح أن المطلوب دور فاعل للأمم المتحدة، لكن على الأخيرة أن تنظر إلى المليونيات التي خرجت في الجنوب على مدى الأشهر الماضية وأن تستمع إلى مطالب المشاركين فيها وليس إلى أي طرف آخر يدّعي تمثيل مواقف الجنوبيين.
الجعري، الذي تحدث عن رفض قاطع لنقل تجربة الثورة الفاشلة في الشمال إلى الجنوب، لم يتوان عن القول إن بعض اللقاءات التي تعقد إنما هي للتسويق الإعلامي أو بعض القيادات الجنوبية.
وفي حديث الجعري بعض من عدم الثقة بمواقف باقي قيادات الحراك التي حضرت لقاء دبي، فهو يتحدث عن مواقف غير واضحة لهم ومشاريع مختلفة لطالما تبنوها قبل أن يضطروا تحت ضغط الشارع إلى القيام بتحول في موقفهم. كما يتحدث عن آخرين لا يمثلون إلا أنفسهم ويميلون في أفكارهم إلى أحزاب شمالية.
هذا الجمود في القضية الجنوبية على بعد أيام من الحوار بالتأكيد من غير المقبول أن يستمر، ولا بد من البحث عن حل، من الواضح أن القاهرة ستكون جزءاً منه. فالحديث اليوم عن توجه لعقد لقاء جنوبي _ جنوبي قريب في القاهرة برعاية عربية خليجية يخرج بملامح مبادرة جديدة لحل القضية الجنوبية قد لا تكون بعيدة عن تبني خيار الفدرالية المؤقتة. هذا الحراك سيكون منفصلاً عن الحوار الوطني، وهو ما يعني أحد خيارين؛ إما أن الحوار الوطني لن يدوم طويلاً وسيكتفى بعقد بضع جلسات منه في أيامه الأولى، على أن يعلق بانتظار انتهاء المفاوضات الجارية مع الجنوبيين أو أن يسير الحوار بمن حضر من الجنوبيين وبعض المنتمين للحراك الذين قبلوا بالمشاركة. وهي مشاركة ستكون التطورات الميدانية كفيلة بتفريغها من مضمونها. فالجنوب مقبل بالتزامن مع الحوار على تصعيد ميداني يعدّ له الحراك استغلالاً للتغطية الإعلامية الواسعة التي سيوفرها الحوار الوطني.