القامشلي | أعلنت وحدات الحماية الشعبية الكردية (YPG) منذ أيام، سيطرتها على ثلاث مدن، تحيط بحقول النفط؛ أهمها مدينة رميلان، سيطرت عليها قوات كردية «دون أن تسال نقطة دم واحدة»، وهو ما كرّس فكرة أن المناطق الكردية هي الوحيدة في سوريا، التي لم تعرف مواجهات عسكرية مع قوات النظام، حتى اللحظة. القوات الكردية عمدت، أيضاً، إلى فتح أقسام للشرطة ومجالس محلية ومدارس خاصة بهم في تلك المناطق. في الأثناء، تسربت معلومات تفيد بنية النظام السوري إخلاء مدينة القامشلي، خلال الشهر الجاري. وعلى ما تشير المعلومات، تستعد القوات الكردية، لبسط سيطرتها على هذه المدينة التي تعد مركز الثقل البشري والسياسي للأكراد السوريين. ويعدّ النظام السوري مطار القامشلي نقطة عسكرية مهمة له، وهو ما تريده قوات (YPG)، التي أضحت واقعاً على الأرض، وتخطط لفرض سيادتها على ما تصفه بـ«غرب كردستان».
التقدم الميداني للوحدات الكردية، يتزامن مع سيطرة كتائب من «الجيش الحر» على مدينة تل حميس (40 كم جنوبي القامشلي). غالبية عناصر هذه الكتائب هم من أبناء العشائر العربية في منطقة الحسكة. وتزامنت هذه التطورات مع إعلان «الجيش الحر» فرض سيطرته على مدينة الرقة، ما يعني بقاء النظام، محصوراً، في مدينة الحسكة التي باتت مهددة بالاقتحام في أي لحظة. في السياق، تقول مصادر كردية لـ«الأخبار» إن قوات (YPG) سارعت إلى فرض سيطرتها على «المناطق الكردية»، وإخراجها من قبضة النظام «كي لا تبقى هناك أي ذريعة لهجوم محتمل من كتائب المعارضة على هذه المناطق».
وبالرغم من هذه التطوّرات، يبقى مصير مدينة الحسكة، مجهولاً، أقلّه في المستقبل القريب. وتضم الحسكة المدينة، خليطاً من العرب (مسيحيين ومسلمين) والأكراد. سيطرة «الحر» على هذه المدينة، قد تفتح جبهة جديدة بين المعارضين المسلحين والقوات الكردية التي تسيطر على بعض أحيائها. وعلى بعد نحو40 كم عن مدينة الحسكة، تقع مدينة تل تمر، التي تسيطر عليها قوات (YPG)، التي شهدت مواجهات خفيفة بين الطرفين أخيراً. محلّلون متابعون يرون أنّ سيطرة هاتين القوتين المعارضتين على تركة النظام في شمال شرق سوريا قد تتحول إلى مواجهة بينهما، ولا سيما أن الأكراد يتجهون نحو «تحقيق الحلم»، فيما تحاول كتائب الجيش الحر، المقرّبة من حكومة العدالة والتنمية التركية، عرقلة أي مشروع قد يضر بأنقرة، لكن هذا لا يعني غياب التنسيق بين الأكراد وبعض الكتائب في المنطقة.
الحكومة التركية تراقب هذه التطورات بحذر، وتأتي مخاوف أنقرة من فكرة «الحكم الذاتي»، التي حفزتها سيطرة الأكراد على حقول النفط على نحو كامل. وتشير دراسة، أجرتها جامعة دمشق عام 2009، إلى أنّ سوريا تمتلك كميات كبيرة من احتياطيات النفط التي لم يجرِ اكتشافها، تقدر بـ315 مليار برميل، إضافةً إلى 69 مليار برميل من الاحتياطيات المكتشفة. وتقع معظم هذه الحقول النفطية في شمال شرق البلاد، حيث الغالبية الكردية، الواقعة على طول الحدود مع تركيا، مثل رميلان وكراتشوك وسويدية. وبعد ذلك اكتُشفت حقول أصغر في اتجاه الجنوب في جبسية والشدادي، حيث يمثّل العرب نسبة كبيرة من السكان.
«الوحدات الكردية»، قالت، في بيان لها، إنّه «يحق فقط للهيئة الكردية العليا والائتلاف الوطني السوري أن يتناقشا حول الشركة السورية للنفط». البيان أشار إلى أن الوحدات ستتولّى حماية هذه المؤسسة، «وستقطع الطريق أمام أي مجموعة تحاول المسّ بهذه المؤسسة، ومهما كانت تسمية تلك المجموعات فإننا سنتّخذ موقفاً صارماً حيالها». وأردف أنّ «الشركة السورية للنفط تعد الأكبر في سوريا، ويعمل فيها ما يقارب 6 آلاف عامل وموظف لتسيير أعمالها... لن نتدخل في أعمالهم الداخلية، متعهدين في الوقت نفسه حماية أمنهم».
وتنقل تقارير اعلامية عن الأكراد السوريين أنّ استيلاءهم على النفط أمرٌ طبيعي، باعتبارهم «الورثة الشرعيين للأرض». ويقولون: «بعد سنوات من الحرمان آن الوقت لتأكيد حقهم في استغلال هذه الموارد». وتشرح قراءات، ذات صلة، أن حصول الأكراد السوريين ـــ نتيجة الأزمة ـــ على «حكم ذاتي أو ما شابه ذلك»، سيساعدهم على تطويره إلى «ما يشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق»، فيما يرى متابعون أنّ هذا التطور سيؤدي إلى احتفاظ الأكراد بغالبية الحقول النفطية السورية، ما يجعل من هذه المسألة أبرز محطات الخلاف بين العرب والأكراد في «سوريا الجديدة».