تونس | للمرة الثانية على التوالي، وعلى نفس القناة «نسمة»، يتدخل وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ليضع النقاط على الحروف في ما يتعلق ببعض المسائل التي تتعلق بالمؤسسة العسكرية. وقد أكد الزبيدي، في تدخله أول من أمس، استقالته من منصبه وعدم استعداده للتراجع عنها، وكشف أن هذه الاستقالة هي الثانية بعد استقالة أولى قدمها يوم ١٥ أيلول الماضي بعد اقتحام عدد من المحسوبين على التيار السلفي السفارة الأميركية. إعلان وزير الدفاع استقالته كان حدثاً مفاجئاً للشارع التونسي، وخصوصاً بعدما تسرّبت أخبار ترشيح شخصية محسوبة على حركة النهضة لخلافته، هي عبد الحق الأسود. إعلان ولّد مخاوف حول استقلالية المؤسسة العسكرية التي حافظت طوال تاريخ تونس، وفي أشد مراحلها صعوبة على استقلاليتها. لذلك تتمتع المؤسسة العسكرية باحترام كبير وشعبية أكبر خاصة بعد الثورة، إذ نأت بنفسها عن كل الأحزاب وحافظت على نفس المسافة من كل القوى السياسية حتى بعد صعود الترويكا الى الحكم.
وكان الزبيدي هو الوزير الوحيد الذي عمل في ثلاث حكومات بعد الثورة، إذ كان وزيراً للدفاع في حكومة محمد الغنوشي الثانية، ثم في حكومة الباجي قائد السبسي وحكومة حمادي الجبالي. والزبيدي ابن مدينة رجيش من محافظة المهدية الساحلية طبيب وأستاذ جامعي في كلية الطب يحظى بتقدير علمي وإنساني وإداري، وقد كشف في تدخل على قناة «نسمة» الأسباب الحقيقية لاستقالته، وأهمها التمديد في حالة الطوارئ من دون تنسيق مع المؤسسة العسكرية لمدة ثلاثة أشهر.
ورأى وزير الدفاع المستقيل أن من شأن ذلك أن يضاعف من إنهاك الجيش الذي لا يزال منتشراً خارج الثُّكَن منذ أكثر من سنتين، وهو ما أثّر على جاهزيته، مشيراً إلى أن الجيش مطالب بحماية الحدود، وبالتالي لابد أن يعود إلى ثُكَنه حتى يستعيد جاهزيته. ورأى أن عدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بما بقي من المرحلة الانتقالية، مؤشر خطير وغير مطمئن، فيما لم يخف حماسته لمبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال التي قبرتها «النهضة»، والتي كان ممكناً أن تخرج البلاد من أزمتها. وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية لم تعلم بتطورات الأوضاع في السفارة الأميركية يوم ١٤ أيلول الماضي، إلا بعد ساعة وسبع وثلاثين دقيقة من وقوع الأحداث المؤسفة.
وأكد الزبيدي في تصريحه، أنه رجل تشبّع بقيم الجمهورية وتربّى على خدمة الدولة والنظام الجمهوري وأثنى على انضباط المؤسسة العسكرية وتفانيها في خدمة البلاد والحفاظ على مكاسب الشعب التونسي من دون أن تسعى إلى أي موقع خارج الثُّكَن. وهذا سر من أسرار تقدير التونسيين للجيش التونسي الذي يُعَدّ نموذجاً عربياً نادراً.
وتدخُّل وزير الدفاع هو الثاني بعد تدخله لأول مرة يوم ٨ شباط الماضي بعد جنازة الشهيد شكري بلعيد، رداً على تدخل الهادي عباس (أحد قادة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه شرفياً القائد العام للقوات المسلحة رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي).
وكان عباس آنذاك قد اعتذر لوزير الدفاع عن تصريحاته التي قال فيها إن الجيش طبّق تعليمات الرئيس، بينما قال الثاني آنذاك إن المؤسسة العسكرية تعرف ما تفعل ولا تنتظر تعليمات من أي جهة. وقال الزبيدي إن الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة هو الوحيد المؤهل للحديث عن هذا. كذلك سبق لقيادي آخر في حزب المؤتمر الملحق الصحافي المستقيل لرئاسة الجمهورية أيوب المسعودي، أن اتهم وزير الدفاع وقيادة الجيش بالخيانة في قضية تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي.
ولهذا السبب يرى عدد من المتابعين للشأن السياسي في تونس أن استقالة وزير الدفاع المشهود له بالكفاءة والنزاهة والصدقية والاستقلالية مؤشر على رغبة خفية لحزب المؤتمر في إبعاده بالتحالف مع النهضة، رغم أنه نفى أن تكون له أي مشكلة مع أي جهة كانت.