متى يقرر الرئيس محمد مرسي الخروج من اللهو السياسي إلى التعامل الجدي مع مشاكل البلاد؟ سؤال بات يطرح نفسه بقوة بعد سلسلة من الممارسات التي لا تدع مجالاً للشك في أن مرسي، ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين، قد حوّلا البلاد إلى مجرد ساحة لاختبار ألعابهما السياسية، حيث يتم تبني ما ينجح منها والنأي بالنفس عما يثبت فشله. استنتاج لا يأتي من عدم. ففضائح ما يجري في مصر لم تعد تقتصر على اعلان دستوري طبخته جماعة الإخوان واكتفى الرئيس بالتوقيع عليه قبل أن يعود لالغائه، كما كشفت صحيفة «الشروق» أمس. ولا عادت المسألة فقط مرتبطة بقرار فرض حالة الطوارئ في مدن قناة السويس الذي اسقطه المحتجون منذ اليوم الأول ورماه مرسي على عاتق الحكام العسكريين في المحافظات الثلاث. بل باتت ألاعيب مرسي وجماعته تهدد البلاد برمتها، بعدما أدت المكايدة السياسية في مواجهة عائلة ساويرس إلى ضرب الاقتصاد في مقتل، في أعقاب الانهيارات المتواصلة في البورصة المصرية مع تسجيل موجة بيع غير مسبوقة للاسهم من قبل المستثمرين العرب والأجانب الذين فقدوا الثقة في اداء الحكومة المصرية. وهي أزمة بات واضحاً أنها تهدف لتدمير عائلة ساويرس بعد تصعيد السلطات للخلاف معها بإقدام هيئة الرقابة على فرض قيود على تحويل الأسهم المحلية إلى شهادات إيداع دولية في محاولة لإلغاء إدراج الشركة في البورصة والقضاء على فرص العرض الذي قدمته الشركة الأم «أو.سي.آي إن.في» المقيدة ببورصة هولندا لشراء حصة الأقلية فيها. ولأن كل ذلك لا يكفي، خرج أمس الفريق الرئاسي بلعبة جديدة عنوانها تسليم الأمن للجيش في بورسعيد التي تشهد انفلاتاً أمنياً منذ أيام. مصادر رئاسية، وبشكل أدق المستشار القانوني لمرسي، محمد فؤاد جاد الله، اختار وكالة «أنباء الأناضول» التي بات البعض يصفها بالوكالة الرسمية للرئاسة، للاعلان أن «الرئاسة تتجه لتحميل القوات المسلحة مسؤولية تأمين محافظة بورسعيد، بشكل أكبر من الوضع الحالي».
لكن هذا التصريح لم تتأخر الرئاسة في إطاحته، مشيرةً إلى أنه لا صحة لما تناولته بعض وسائل الإعلام من تكليف القوات المسلحة بمهام تأمين مدينة بورسعيد، وأن «وزارة الداخلية لا تزال تضطلع بالمهمة الرئيسية في حفظ الأمن بالمدينة». وهي خطوة اضطرت إليها الرئاسة بعدما كانت تهدف لجس نبض الجيش حول مدى استعداده للقيام بهذه المهمة. وبدا واضحاً من الاتصالات بين الرئاسة والجيش أن الأخير يتحفظ على خطوة كهذه، خصوصاً أنه يرى فيها ما يشبه الفخ.
فالاحتقان في بورسعيد في أعلى درجاته، والجيش حرص منذ اليوم الأول على النأي بنفسه عنه، بل إنه حتى وقف إلى جانب المحتجين وتعرض معهم للرصاص وقنابل الغاز المسيلة للدموع. وإن كان هذا الرصيد يسمح له بالتقارب مع المحتجين، فإنه لا أحد بامكانه توقع ردة فعل أهالي بورسعيد يوم السبت المقبل، وهو اليوم المحدد لصدور الحكم بحق المتهمين في مجزرة «استاد بورسعيد».
ولذلك يتخوف الجيش من محاولة للزج به في مواجهة غير محسوبة مع أهالي المدينة، بهدف اجباره على التراجع خطوات إلى الوراء، ولا سيما أن الاستياء من حكم الإخوان المسلمين انعكس ايجاباً لصالح الجيش بعد موجة توكيلات لمطالبته بالعودة لادارة البلاد. ورغم أن هذه التوكيلات لا يمكن صرفها قانوناً، إلا أنه من الواضح انها دقت ناقوس الخطر لدى مرسي وجماعته، ولذلك بدا الجيش متحسباً منذ بداية أحداث بورسعيد وخصوصاً بعد اطلاق النار عليه ومن ثم طرح بالون اختبار تسليمه الأمن في بورسعيد بوصفها مناورة جديدة للرئاسة.
ومن وسط هذه المناورات، من غير الواضح أن الاشتباكات والاحتجاجات المتنقلة بين المحافظات تتجه إلى الانخفاض وبشكل خاص بورسعيد التي تشهد كذلك عصياناً مدنياً تخطى الأسابيع الثلاثة، بالرغم من اعلان مصادر قضائية مطلعة أن النائب العام المستشار طلعت إبراهيم عبد الله، أمر بفتح التحقيقات فى الأحداث الدامية التي تشهدها المحافظة.
وتركزت الاشتباكات أمس في محيط مديرية الامن التي شهدت اطلاق رجال الامن القنابل المسيلة للدموع بكثافة وتبادل التراشق بالحجارة مع المتظاهرين الذين ألقوا زجاجات مولوتوف باتجاه قوات الامن، ما أدى إلى اشتعال النيران مجدداً في الطابقين الارضي والاول من مبنى مديرية الامن الذي كان المتظاهرون قد احرقوا جزءا منه أول من أمس.
وفي اشارة إلى حالة العداء بين الشرطة والمحتجين، تعرضت المباني التابعة للشرطة للحرق إلى جانب احراق عدد من مركباتها.
من جهته، سارع اللواء أبو بكر الحديدي، مدير أمن محافظة دمياط، إلى نفي ما تردد عن محاكمة المقبوض عليهم في أحداث بورسعيد في محكمة دمياط، خوفاً من انتقال الاشتباكات إلى محافظته. المنصورة، من جهتها، لم تكن أفضل حالاً. وشهدت أمس قطعاً للطرقات ومسيرات غاضبة منددة بالعنف المفرط ضد المتظاهرين.
أما في القاهرة، فوجه ألتراس أهلاوي ضربة جديدة أمس، بعدما حاصر أعضاؤه بالتزامن منزل وزير الداخلية الحالي محمد إبراهيم، وكذلك منزل وزير الداخلية ابان مجزرة بورسعيد محمد ابراهيم (يحمل الاسم نفسه)، مرددين هتافات «القصاص القصاص».
كذلك وقعت صدامات قرب ميدان التحرير بين الشرطة ومئات المحتجين بعد تشييع الناشط محمد الشافعي الذي كان في عداد المفقودين منذ اشتباكات كانون الثاني وعثرت عليه أسرته قبل أيام في مشرحة احد المستشفيات.
ورشق المتظاهرون الذين تجمعوا في شارع كورنيش النيل بالقرب من مقري السفارتين البريطانية والاميركية، الشرطة بالحجارة فيما ردت الأخيرة باطلاق قنابل مسيلة للدموع.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)