رسالة إلى المعتقل
حسن كراجة معتقل لدى قوات الاحتلال منذ أكثر من شهر بتهمة لا أحد يعرف ما هي، ولايزال موعد محاكمته مجهولاً. نحن، أصدقاء حسن في بيروت، نعرفه جيداً، نعرف تاريخ عائلته، نعرف قبل كل هذا أخته «صمود» من نشرات الأخبار، تلك التي امتلكت شجاعة ألف رجل وطعنت جندياً إسرائيلياً على أحد الحواجز. نعرف «ستّه الختيارة» من قصصٍ حكاها هو لنا، تلك التي علمته، ومن قبله أبوه، العزّة مع خطوات مشيته الأولى. نعرف أيضاً أن رسائلنا تصل إلى حسن وهو داخل المعتقل، ونعرف أن الجندي داخل السجن يقرأ له ما نكتبه على صفحاتنا الإلكترونية، نعرف أن تضامننا معه يقوي عزيمته، ولذلك نقوم بأضعف الإيمان، ونكتب له حتى يصله ما نكتب. هذه الرسالة هي لحسن كراجة داخل المعتقل، على أمل أن تصل إلى الأسرى جميعاً:
عودتك، لم تكن كما أردتها يا حسن، فمن يريد العودة إلى بلده ليُعتقل؟. لا نريد أن نعرف ما هي تهمتك بالضبط، فنحن نعرف أنك بحد ذاتك تهمة عند العدو. أنت الشاطر الذي يرعبهم حتى وهو داخل الزنزانة. أنت الذي اعتدنا اعتقالك مرات عديدة، فما الجديد؟ ستخرج، وستعود إلى بيتك، ستتزوج وستنجب الأولاد، واثقون من ذلك. فكن كما كنت دوماً، أنت حرٌ أينما كنت، اضحك في وجوههم وهم يحققون معك، إرفع علامة النصر في محاكمتك، ومن زنزانتك اكسر حصارك. تعلم من غيرك معنى الصبر وتعالَ على سجّانك، فهو لو لم يكن يخافك لما اعتقلك، أتعرف كم انت محظوظ؟ أنت الذي شرب الشجاعة مع حليب أمه، أنت الذي ينام مطمئاً في فراشه حتى وهو يعرف أنهم وفي أي لحظة قد يقتحمون بيت أهلك، أنت الذي تنام مرتاحاً، لمجرد أنك تنام في حضن فلسطين، بغض النظر إن كنت في البيت أو حتى في
المعتقل.
كم نخجل منك يا رفيقي، وكم نخجل من أهلك، وكم نخجل من الأسرى في المعتقلات. كم نخجل من سامر العيساوي وقد تجاوز إضرابه ما يقارب العام، فماذا نفعل يا حسن؟ لو كنت موجوداً، لقلت لنا أن نكف عن التصرف كالناشاطين الذين لطالما كرهت أسلوبهم. ألست أنت عدو الـActivist كما أحببنا دوماً أن نسميك؟ لقلت لنا أن نكف عن الاعتصام أمام مبنى سفارة دولة فلسطين، لأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، أو على الأقل لا تمثلك ولا تمثل المعتقلين. كنت ستقول لنا إن مسؤولي الدولة «المُفترضة» لو كان يمثلونكم لحركوا ساكناً على الاقل، لفعل محمود عباس شيئاً من أجلكم بدلاً من «النطنطة» في المحافل الدولية من أجل اقل من «خُمس دولة»!
أصدقك يا حسن، ولا أعول على محمود عباس ولا غيره من «أراجوزات» الدولة الفلسطينية، ولكن ما العمل؟ كيف يمكننا أن نجعل هؤلاء يخجلون من أنفسهم ومنك ومن سامر ومن الآلاف غيركم في المعتقلات.
أنا أعرف أنك لا تلتقي سامر العيساوي في المعتقل، ولكنني أكاد أجزم أن رسائلنا تصله أيضاً، ولذلك اسمح لي أن أترك بعضا من أسطري له: سامر، أنت الذي أود تقبيل جبينه وحلمي أن ألتقيه، حاصرهم بجوعك وعطشك، وكبّلهم بأمعائك الخاوية. كم شعرت بالفخر عندما رأيت صورك وأنت ترفع علامة النصر وهم ينقلونك من المحكمة مجدداً إلى مكان اعتقالك، أنت المنتصر دوماً ونحن دوماً معك. أنت بالنسبة إلينا، شرارة انتفاضة ثالثة لطالما حلمنا بأن تقوم، فاصبر على جوعك لأجلنا، وإن لم يكن لأجلنا لأننا لا نستحق، فمن أجل فلسطين التي تستحق كل شيء. رعاع دولة فلسطين لم يفهموا بعد أن التخلي عن الكفاح المسلح سيخلق نوعاً جديداً من الكفاح، لم يفهموا بعدُ أن البندقية التي سلموها على طاولة المفاوضات ستعود معدةً خاوية يخاف منها العدو أكثر من الرصاصات.. فاصبر من أجل الذين خرجوا من أوكارهم التي حبستهم بها «عساكر فلسطين الجدد بطرازٍ أمريكي» بقوارير المولوتوف والمقلاع، هؤلاء الذين لم تعد تعني لهم الاتفاقيات الأمنية ليحاصروا حصارك في سجن عوفر وغيره من المعتقلات. هؤلاء هم الذين أفاقوا أخيراً ونزلوا إلى الساحات، انظر كم نفس استفاقت من أجلك، وكم فرد انتفض لأجلك، انظر كم تلميذ ترك كرسيه، وكم أم تركت أطفالها، وكم عجوز ترك دكانه، وكم طفل ترك ملعبه ليحاصروا حصارك، من أجلك يا سامر كان الشعب انتفاضة.
نحن نعرف أن رسائلنا ستصل، إلا اذا أغاظت السجان، وبالحالتين سنكون قد فعلنا أقل ما يمكننا فعله من أجل حسن وسامر: أحرار في امة منهزمين.