القاهرة ــ الأخبار بين الأزمة السياسية الداخلية في مصر وقضايا المنطقة الملتهبة، وتحديداً سوريا وفلسطين المحتلة حيث تشهد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين جموداً غير مسبوق، توزعت محاور اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على مدى اليومين الماضيين في مصر، وإن طغى الملف الداخلي على الجزء الأكبر منها.
مصادر مصرية شاركت في جزء من اللقاءات التي عقدها كيري أكدت لـ«الأخبار» أن الأخير كان يريد الاستماع والاطلاع على واقع الأوضاع أكثر من تقديم طلبات محددة، وخصوصاً أن زيارته تأتي في وقت تضع فيه الولايات المتحدة استقرار مصر في أولوياتها، خوفاً من التداعيات على إسرائيل ولا سيما في ظل الانفلات في سيناء.
وضمن سياق الاستماع، حرص كيري على لقاء طيف واسع من ممثلي المجتمع المصري. وللسبب نفسه انتظر كيري انتهاء معظم هذه اللقاءات لينقل رسالة واضحة إلى الرئيس محمد مرسي الذي التقاه أمس، أكدت ضرورة التوافق مع المعارضة واستعادة ثقتها للعبور من الأزمة. وهو ما انعكس في البيان الذي أصدره كيري قبيل مغادرته مصر، ودعا فيه إلى «مزيد من العمل الشاق والتسويات» لإعادة الاستقرار الى البلاد.
استقرار تصرّ الولايات المتحدة على أن الانتخابات تشكل الطريق الأمثل للوصول إليه، على اعتبار أنها «خطوة حاسمة في التحول الديموقراطي في مصر». وأضاف «في جميع لقاءاتي نقلت رسالة بسيطة لكنها جدية: إن المصريين الشجعان الذين وقفوا صامدين في ميدان التحرير لم يخاطروا بحياتهم لرؤية تلك الفرصة لمستقبل أكثر إشراقاً تتبدد».
ولأن المستقبل يتهدّده في جزء منه الواقع الاقتصادي المنهار، استخدم كيري جزرة المساعدات، معلناً 250 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية الاميركية، وذلك بالرغم من معارضة عدد من المشرعين في الكونغرس لاستمرار تقديم المساعدات لمصر بحجة الخوف من عدم الاستقرار فيها وانعكاس ذلك على إسرائيل.
وأوضح كيري أن «الولايات المتحدة ستقدم الآن دفعة من 190 مليون دولار أميركي من أصل 450 مليون دولار لدعم الموازنة المصرية، في بادرة من أجل الاسراع في الاصلاح ومساعدة الشعب المصري في هذا الوقت الصعب». وأكد أن الولايات المتحدة «ستعدل كذلك اتفاقية الكويز للمساعدة في زيادة الصادرات المصرية الى الولايات المتحدة». يذكر أن اتفاقية الكويز أبرمت بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل منذ عدة سنوات، وأدت الى إنشاء مناطق صناعية حرة في مصر تصدر منتجاتها الى الولايات المتحدة من دون جمارك، بشرط أن تتضمن هذه المنتجات نسبة محددة من المكونات الإسرائيلية الصنع.
وفي مقابل حرص كيري على تأكيد «احترامه لشرعية الرئيس»، لاقى الرئيس المصري وزير الخارجية الأميركية بتأكيده حرص الشعب المصري على إتمام عملية التحول الديموقراطي، وفقاً لما نقلته وكالة «الأناضول». كذلك أكد «أهمية بناء شراكة استراتيجية بين القاهرة وواشنطن مبنية على قاعدة من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين البلدين». ووعد بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة وتشكيل حكومة توافقية عقب الانتخابات البرلمانية، ما يعزز تمسك الإخوان بحكومة هشام قنديل.
اللقاء المهم الثاني على جدول كيري كان مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. مصادر عسكرية اطّلعت على اللقاء وصفته بأنه «جلسة استشكافية تتّسم بالذكاء»، موضحةً أن كيري، معتمداً على تقارير وزير الدفاع المنتهية ولايته جون بانيتا، حاول قراءة موقف المؤسسة العسكرية المصرية من الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وموقفها حيال الأزمة السياسية الداخلية».
وفيما أكدت المصادر المطلعة أن ملفات النقاش لم تتطرق نهائياً إلى ملف جماعة الإخوان المسلمين وسيطرتهم على مفاصل الدولة، لفتت إلى أن السيسي تعمد إيصال رسالة إلى البيت الأبيض عبر كيري عنوانها التشديد على أمن مصر وسلامة حدودها. وهو ما دفع كيري إلى طرح «ملف أمن إسرائيل بنفس قوة السيسي ومنطقه».
وكان السيسي أيضاً حريصاً على «عدم رغبة القوات المسلحة في الاشتراك في المعارك السياسية الدائرة، وأنها لن تنحاز إلى فريق سياسي ضد آخر مهما بلغت حجم الضغوط». وكان لافتاً أن السيسي فتح المجال لرئيس أركان الجيش صدقي صبحي ليتحدث مؤكداً «أن القوات المسلحة لن تتهاون في حماية المواطنين من أي خطر خارجي أو داخلي، وأنها مع الشعب ولن تخرج عن الإطار العسكري مهما كلفها ذلك».
وفي حين رفض أقطاب جبهة الإنقاذ، وتحديداً محمد البرادعي وحمدين صباحي والسيد البدوي، لقاء كيري تعبيراً عن استيائهم من ضغوط واشنطن، اتصل كيري بالبرادعي ليؤكد أن واشنطن «لا تتدخل ولا تتخذ موقفاً من أجل حكومة أو شخص أو عقيدة» في مصر.
في المقابل، وضع رئيس حزب المؤتمر عمرو موسى لقاءه بكيري في إطار شخصي، وأكدت مصادر مقرّبة منه أن موسى لم يبادر إلى وضع قيادة الإنقاذ في صورة اللقاء، منتقدةً في حديث مع «الأخبار» اتخاذهم قرار مقاطعة كيري من دون طرح الموضوع داخل جبهة الإنقاذ لاتخاذ قرار بشأنه. بالرغم من ذلك، أكدت المصادر أن موسى أوضح لكيري موقف الجبهة من مقاطعة الانتخابات وأنهم معنيون بحل الشأن المصري من الداخل وليس من قبل أي طرف خارجي، فضلاً عن حديثه عن ضرورة استقرار مصر وزيادة الاستثمار فيها، إلى جانب تطرق البحث إلى الأوضاع في سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكدت هذه المصادر أن كيري كان واضحاً في رغبته تحريك ملف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهي مواضيع كانت حاضرة أيضاً في لقائه بوزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي.