ترى موسكو في نتائج مؤتمر «أصدقاء سوريا» توجّهاً مغايراً للمناخ الدبلوماسي «المشجّع» الذي لاح باتجاه تقارب لتسوية الأزمة السورية، في وقت كلّف فيه الرئيسان الأميركي والروسي، خلال اتصالهما الهاتفي، وزيري خارجيتهما بوضع مبادرات جديدة تهدف إلى تسوية الأزمة. أما زائر موسكو بالأمس، العميد المنشق مناف طلاس، فقد عوّل، أيضاً، على اتفاق روسي - أميركي.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أنّ القرارات التي تمخضت عن مؤتمر «أصدقاء سوريا» في روما تشجّع المتطرفين للاستيلاء على السلطة بالقوة. وقال المتحدث باسم الخارجية، الكسندر لوكاشيفتش، إنّ المجتمع الدولي بشكل عام بات يتفهم استحالة الحلّ العسكري للأزمة السورية. ورأى أنّ «المهمة الرئيسية اليوم تتمثل بالوقف الفوري لنزيف الدماء والعنف والانتقال إلى الحوار السياسي، كما ينص عليه اعلان جنيف»، مؤكداً «هذا بالذات ما يسمح بتنفيذ الأهداف الرئيسية للسوريين».
في موازاة ذلك، ذكر الكرملين أنّ الرئيس فلاديمير بوتين أجرى، أمس، مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي باراك أوباما. وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، أشار بوتين إلى ضرورة وقف الأعمال القتالية بأسرع ما يمكن. وكلّف الرئيسان وزيري الخارجية في البلدين سيرغي لافروف وجون كيري «بمواصلة الاتصالات الكثيفة الرامية إلى وضع مبادرات ممكنة جديدة تهدف إلى تسوية الأزمة سياسياً». وأشار المكتب الصحافي للكرملين إلى أنّ المكالمة الهاتفية جرت بمبادرة من الجانب الأميركي، وأنّ بوتين أكد دعوته لأوباما إلى القيام بزيارة رسمية إلى روسيا. وحسب البيان، «جرى الاتفاق على أن يعقد الرئيسان لقاء ثنائياً ارتباطاً بقمة «مجموعة الثمانية» في إيرلندا الشمالية».
وفي موسكو أيضاً، التقى وزير الخارجية سيرغي لافروف العميد السوري المنشق مناف طلاس. وأفادت قناة «روسيا اليوم» بأنّ لافروف اطلع على مواقف طلاس حيال ما يجري وحيال تسوية الأزمة القائمة في بلاده. كما التقى طلاس بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
وأعرب طلاس، من جهته، عن أمله في اتفاق روسي ــ أميركي لتسوية الوضع في سوريا، مشيراً إلى إمكانية روسيا للضغط على طرف من الأطراف لتجاوز الأزمة. وقال، في حديث تلفزيوني قبل لقائه بلافروف، إنّ فكرة تنحي الرئيس بشار الأسد «أمر غير مطروح لديه شخصياً، والأهم هو تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية والجلوس إلى طاولة المفاوضات بدون سلاح»، مضيفاً أنّ «التاريخ قد تجاوز الديكتاتوريات ولم يعد لها مكان فيه».
في غضون ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إنّ هناك «فرصة ضئيلة للغاية» أمام الحكومة والمعارضة السورية لإجراء محادثات. وأضاف، في مؤتمر صحافي في جنيف، أنّه سيلتقي مع المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في سويسرا اليوم لاجراء محادثات بشأن الأزمة السورية.
من ناحية أخرى، اعتبر عضو «الائتلاف»، عبد الباسط سيدا، أنّ «النظام السوري بات جزءاً من الماضي ولا بدّ من إيجاد آلية لرحيله». ورأى سيدا، في حديث تلفزيوني، أن «الحوار مع النظام لا جدوى منه وهو عقيم، لذلك لا بد من وجود مبادرة واقعية برعاية دولية ويحدد فيها السقف الزمني». ولفت سيدا إلى أنّ «الموقف الروسي واضح منذ البداية بشأن الوضع في سوريا، حيث لا يزال يتحدث عن اتفاقية جنيف»، مشيراً إلى «أننا الآن في صدد تعزيز الدعم للمعارضة السورية في الداخل والجيش السوري الحر»، بينما «الروس لا يزالون يراهنون على عقد تسوية ما، ولكن بعد التضحيات التي قدمها الشعب السوري لن نقبل بأي تسوية لا تناسب الثورة السورية».
من جهته، أكد وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، أن المعركة السورية أصبحت «معركة عالمية، وأن الشعب السوري لا يقف وحده». ولفت، في حديث لوكالة الأنباء السعودية الرسمية، إلى أنّ «مؤتمر أصدقاء سوريا كان جيداً وصريحاً، وفيه وضوح وشفافية، وركز على تقديم الإمكانات للشعب السوري للدفاع عن نفسه إزاء التطور السيئ الحاصل».
في الميدان السوري المشتعل، الاشتباكات الضارية تتابعت، وتعمل المعارضة المسلحة على اختراق الطوق الأمني الذي تفرضه السلطات حول مدينة دمشق، بقصد إحداث ثغرة تمكّن المعارضة المسلحة من التقدم. المحاولات الفاشلة للمسلحين وجّهت الأنظار بعيداً عن داريا المنكوبة، إذ تمت السيطرة على المنطقة بشكل كامل من الجيش السوري باستثناء بعض «الجيوب» الصغيرة، المتروكة من قبل السلطات السورية بهدف «عدم إعلان داريا منطقة آمنة، خشية عودة عناصر جبهة النصرة وبعض خلايا الجيش الحر»، بحسب مصدر سوري مطّلع. وأضاف المصدر لـ«الأخبار» أنّ داريا، وباعتبارها أم المعارك، قد شكلت حالة استقطاب كبيرة للأجانب المقاتلين المتواجدين في ريف دمشق.
بدوره، شهد أتوستراد حرستا على مدخل دمشق الشمالي اشتباكات عنيفة خلال الأيام الماضية، هدفت إلى خلق ثغرة أمنية للدخول إلى دمشق وصرف اهتمام الجيش السوري عن داريا، إذ تم قطع المعارضة المسلحة إمدادات الغاز من منطقة القابون إلى دمشق بعد حصول تفجير في المنطقة أدى إلى وقوع عدد من الضحايا بالتزامن مع اشتعال عدّة مناطق أخرى كبرزة وجوبر، على الرغم من محاولات اقتحام كراجات العباسيين، أيضاً، خلال اشتباكات ضارية انتهت بسيطرة الجيش السوري على المنطقة، واستمراره بتمشيطها وقيامه بمداهمات لإعادة الحركة الطبيعية إلى الأتوستراد الدولي.
إلى ذلك، نظّمت المعارضة تظاهرات في مناطق مختلفة من سوريا، انتقدت فيها مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» لعدم تزويد المقاتلين بالسلاح. وحملت التظاهرات الأسبوعية شعار «أمة واحدة راية واحدة حرب واحدة»، في إشارة إلى تعدد المجموعات المقاتلة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)