تل أبيض | وقفت تطلب حليباً لطفلها في أحد مراكز النازحين بمدينة تل أبيض السورية. المادة مفقودة، جاوبها مسؤول توزيع المواد الإغاثية، وإذا بالنازحة «الادلبية» تشرع في الصراخ وسط جمع من النازحين؛ لتبدأ بتهديد موظفي الإغاثة باللجوء إلى «الهيئة الشرعية»، وإقامة دعوة ضدهم عبر هذا «المولود القضائي» الجديد. لم يعد خافياً أنّ «الهيئة الشرعية»، التابعة لبعض فصائل المعارضة المسلحة، باتت تقضي بين الناس في أكثر من منطقة سورية «محررة»، وهي الجهة الوحيدة التي يحق لها «محاسبة المذنبين». ويبدو أنّ سكان تل أبيض، التابعة لمحافظة الرقة، اعتادوا سماع «الدعاوى والمحاكمات»، التي تشرف عليها الهيئة.
يقول العقيد الركن المنشق حسين كلش، نائب رئيس «المجلس العسكري» في الرقة، إنّ الهيئة هي المؤسسة المعتمدة للحكم بين الناس. تصريح كلش لـ «الأخبار»، يؤكد سير المجلس التابع لـ«الجيش الحر» نحو تطبيق «الشريعة الإسلامية» في المدينة. الناشط معن الخضر، الذي اعتقلته «جبهة النصرة» في تل أبيض أخيراً، هُدد بالمثول أمام «الهيئة الشرعية»، بعد تلقيه «ضربة بالسيف من أمير الجبهة».
أمام مخفر تل أبيض القديم، الذي تتخذه «جبهة النصرة» مقراً لها، تركن حافلة نقل كبيرة تابعة لشركة «القدموس» للنقل، يبدو أن الجبهة صادرتها. وفي الفناء يلاحظ وجود مدرج مكوّن من نحو200 جرة غاز، تحيط به نحو10 سيارات عسكرية. يحرس المخفر مسلحون يرتدون ثياباً سوداء (زي أفغاني)، غالبيتهم من المراهقين، كان يرافقهم طفل لم يتجاوز العشر سنوات؛ وهو يداعب مسدساً حربياً بين يديه. بعد التحقيق من قبل أكثر من طرف، خلال نصف ساعة من الانتظار، خرج «الأمير»، فيصل بللو، من مكتبه؛ ليشير إلى سيجارة كانت بيد أحد المواطنين، قائلاً: «ألا تعلم أن التدخين حرام». بللو أخبر «الأخبار»، صراحة، بأنّ الجبهة «تجاهد» في سوريا لبناء «دولة إسلامية، يكون دستورها القرآن»، وذلك بهدف «رفع الظلم عن الناس» والاحتكام إلى الشريعة. ويضيف مستدركاً: «لكن، لغير المسلمين، كالمسيحيين، حريتهم الشخصية في سوريا الإسلامية». غير أنّ ما يخطّط له بهدف «تأسيس دولة علمانية» يعدّ مرفوضاً من قبل الجبهة. ويؤكد بللو أن جميع كتائب تل أبيض متفقة على تطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا، عبر «الهيئة الشرعية»، من دون أن يخفي استعداد الجبهة لمواجهة أي طرف مسلح، قد يقف عائقاً أمام تحقيقهم هدفهم.
في20 شباط، تناقلت وسائل إعلام محلية وعربية خبراً يفيد بسقوط صاروخ «سكود» مصدره قوات النظام السوري، بالقرب من منطقة تل أبيض. الخبر «عارٍ من الصحة» وفق مصادر من كتائب «الجيش الحر» المسيطرة على المدينة. المصادر أفادت بأنّ «تل أبيض هادئة نسبياً، والمعارك الحقيقية تقع في محيط مدينة الرقة، ونحن نعدّ تل أبيض مركزاً حيوياً لإمداد كتائبنا هناك».
أمير «النصرة» ينكر تلقيهم دعماً عسكرياً من الخارج، ويشدّد على أن «الله هو الذي يدعمهم»، ذلك إلى جانب «الغنائم» التي حصلوا عليها من النظام. كما ينفي ارتباط الجبهة بأي منظمات إسلامية خارج سوريا. العقيد كلش، الذي يكرر النفي المتعلق بتلقي الدعم العسكري الخارجي، يوضح أنّه ما من تواصل مع «جبهة النصرة»، لكن هذا لا يعني أن «هناك مشاكل أو خلافاً بين الطرفين». يأتي ذلك بعد أيام على اغتيال رئيس المكتب الشرعي في الرقة، إسماعيل الكجوان، داخل مدينة تل أبيض، من قبل جهة مجهولة، لم تعرف حتى اللحظة، على حد تعبير أحد المصادر في تل أبيض. زعيما الجبهة والمجلس اعترفا بوجود مقاتلين من دول عربية، يحاربون تحت رايات الكتائب الموجودة في المنطقة. وعلى ما يؤكد الأهالي، فإنّ تل أبيض «تحررت» في أيلول الفائت، بأيدي مقاتلين من كتائب سورية قدمت عبر الأراضي التركية من مناطق أخرى، كحلب وحمص وادلب، يرافقهم مقاتلون عرب. واللافت أنّ العنصر العربي هو المسلح الوحيد في المدينة، التي يسكنها نحو 50 بالمئة من المواطنين الأكراد. وبناء على اتفاق مسبق، تقام حواجز وحدات الحماية الشعبية الكردية (YPG) على بعد40 كلم غربي المدينة.
وتعدّ تل أبيض، التي يقدر عدد سكانها بنحو 35 ألف نسمة، بوابة حدودية مع تركيا. ويسيطر «الجيش الحر» على معبرها الحدودي، الذي يشهد نشاطاً تجارياً كبيراً. ويلاحظ زوار المدينة السورية «فوضى عسكرية» ولّدها الانتشار الكبير للمسلحين غير المنظمين، يرافق ذلك تزايد حالات السرقة وما يصفه السكان بالسطو و«التشليح» على الطرقات المؤدية إلى تل أبيض. في السياق، يروي العقيد كلش «أنهم على علم بهذه الحوادث»، مؤكداً تسييرهم دوريات لملاحقة المجموعات والعصابات. غير أنّ المجلس لم يحرك ساكناً حيال «حادثة الصوامع»، إذ تقول مصادر «الأخبار»، إنّ الكتائب أفرغت أخيراً، صوامع المدينة، لتبيع قمحها في تركيا، بنحو800 مليون ليرة سورية (حوالى 9 ملايين دولار).