القاهرة | مرة جديدة أخطأ المصريون عندما انتظروا الحوار التلفزيوني للرئيس محمد مرسي. فمن ظن من المصريين أن الخطاب، الذي تأخر بثه لـ6 ساعات قيل إنها لأسباب تقنيّة، يحمل جديداً يذكر، تيقن أن الرئيس ليس مستعداً لتقديم اي تنازلات سياسية واكتفى بسياسة المناورة نفسها التي يعتمدها منذ توليه الحكم. متابعو الخطاب، الذي بث بعد منتصف الليل أيضاً بعد اشراف لجنة من مستشاري الرئاسة بينهم مسؤول في الإخوان على المونتاج، فشلوا في العثور على الترجمة الفعلية للعديد مما ورد في خطاب مرسي، ومن بينها قوله «أنا رئيس لكل المصريين وأتشاور مع الجميع»، بعدما ظهر في حواره مع الإعلامي عمرو الليثي أمس الأول كفرد إخواني أكثر من كونه رئيساً للجمهورية. كذلك أكثر مرسي من استخدام مفردات «البلطجية» و«الثورة المضادة» «والعدو» و«أصحاب المصالح الضيقة» في إطار حديثه عن الأوضاع التي تمر بها البلاد، مبدياً تناقضاً فاقعاً في الكثير من أجوبته. ولم يكتف مرسي، الذي لجأ إلى تسجيل الحوار بعد فشل حواراته السابقة المباشرة، بردود كانت تقريباً هي نفس ما يكرره قادة جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة في الفترة الأخيرة، بل بدا كأنه يعيش خارج سياق الأحداث في بلاده، عوضاً عن أن يستغل حواره لتعزيز الثقة بمعارضيه.
فمرسي، الذي وصلته بالتأكيد اعتراضات العديد من القوى السياسية على موعد اجراء الانتخابات والمطالبات بتأجيلها واتخاذ الضمانات الكفيلة بضمان نزاهتها، أصر على إجراء الانتخابات في موعدها. وفي تكرار لما تقوله الجماعة، رأى أن «الأجواء مناسبة جداً لإجراء الانتخابات البرلمانية»، قبل أن يتساءل: «هل الوقت مناسب لانتخابات رئاسية مبكرة؟ كما دعت بعض الأحزاب المعارضة، وليس مناسباً لإجراء انتخابات برلمانية».
كذلك أصر مرسي على تجاهل مطلب التغيير الوزاري مدافعاً عن حكومة هشام قنديل، ورافضاً وصفها «بالفاشلة». ودعا إلى حوار خاص مع القوى السياسية للحديث عن ضمانات لشفافية الانتخابات ونزاهتها، معتبراً «أن من يضع شروطاً مسبقة لأي حوار هو الخاسر». وإن كانت تلبية مطالب جبهة الانقاذ ليست بالأولوية لمرسي، فإن الرئيس الذي أكد استمراره في منصبه حتى انتهاء ولايته، لم ير في التظاهرات التي خرجت مطالبة برحيله عن حكم البلاد «إلا تنوعاً في الرأي ولا تعبّر عن إرادة الشعب». وأضاف: «أنا أنصت إلى كافة الأصوات المنددة بحكمي والمطالبة برحيلي، لكنّ هناك فرقاً كبيراً بين الإنصات إلى رأي معارض ومناقشة مطالبه لإثراء الشرعية، ومن يريد إسقاط الشرعية ويستخدم القوة لذلك». وهو تفريق بدا ضرورياً وخصوصاً أن مرسي سبق له التعهد بالتنحي إذا خرج الشعب يطالب برحيله.
وعند الحديث عن القوة، لم يتردد مرسي في شكر الداخلية على ما تقوم به من حماية المنشآت، متجاهلاً المطالبات الكثيرة بإعادة هيكلة الوزارة وتغيير ثقافتها القائمة على التعذيب وعدم احترام حقوق المواطنين. وبنفس اتجاه الإخوان، رأى مرسي أنّ «العصيان المدني رغبة من شعب يريد التعبير عن رأيه بطريقة سلمية، أما إجبار الموظفين في الوزارات والمصالح الحكومية بالأسلحة البيضاء والنارية، أن ينزلوا من أعمالهم، وإجبار أصحاب المحال التجارية على التوقف عن العمل، فلا علاقة له بالعصيان المدني». وأضاف: «قطع الطرق ليس عصياناً مدنياً، ولكنه بلطجة يؤثر على الاقتصاد ويجب مواجهته بالقانون».
وعند الحديث عن الاقتصاد، لم يجد مرسي حرجاً في الدفاع عن قرض صندوق النقد الدولي، وهو دفاع تجاهل التداعيات السلبية للقرض على الفئات الأكثر فقراً، مشدداً على أن «مصر بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي لأنه سيكون شهادة للعبور لمرحلة استثمار أكبر في مصر». دفاع شمل أيضاً القول إن «صندوق النقد لا يتدخل في شؤون البلاد». أما الفائدة التي سيحصل عليها فهي «بمثابة مصاريف إدارية وليست ربا».
دفاع آخر خصص له مرسي جزءاً من الحوار يتعلق بالاتهامات التي تلاحق جماعة الإخوان المسلمين المنتمي إليها، فاعتبر أن ما يتردد عن محاولات لأخونة المؤسسة العسكرية «ما هي إلا شائعات من أعداء الثورة، ولن يفلحوا في ذلك أبداً»، مثلما نفى وجود أي خلاف بينه وبين المؤسسة العسكرية «لأنهما طرف واحد، ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة». ودفاعاً عن الإخوان، نفى مرسي ما يتردد عن أخونة الدولة، مشيراً إلى عدم صحة تعيين 12 ألف إخواني في مؤسسات الدولة المختلفة. وأشار إلى «أنه يؤيد فكرة أن تقنن جماعة الإخوان المسلمين أوضاعها القانونية، كما يجب على جميع القوى الأهلية والشعبية أن تقنن أوضاعها».
إلى ذلك، حددت الرئاسة المصرية أمس موعد الجلسة الجديدة للحوار، مشيرة إلى أنها ستعقد اليوم في الساعة الخامسة بعد الظهر، على أن تنقل جلساتها على الهواء مباشرة.