«مش من حقي احلم يا استاذ». هو التعبير الذي عبر به الطفل عمر صلاح، الذي قتل مطلع الشهر الحالي عندما سأله مذيع عن أحلامه. فالصبي كان بائع بطاطا جوالاً لم ينل حظاً يذكر من التعليم، وإلا لما كان طلب الرزق الشحيح قد قاده الى حيث المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين ليلقى مصرعه برصاص الجيش المرابط في محيط السفارة الأميركية. وبالرغم من أن المعارضة سرعان ما التقطت المقطع المصور في الدعاية ضد نظام محمد مرسي، الا أن أحداً من قيادات المعارضة، وبالأخص قيادات جبهة الانقاذ، لو كان في سدة الحكم بدلاً من مرسي، لم يكن ليضمن لصلاح حياة أفضل من تلك التي عاشها. الأوضاع الاقتصادية المتردية تشير إلى أن انتفاضة اجتماعية في الافق، ولا سيما مع تراجع سعر الصرف على نحو قياسي في البلاد التي تعاني خللاً ذريعاً في الميزان التجاري. لكن هذه الانتفاضة لو حدثت لن تجد من يتزعمها من ضمن قيادات جبهة الانقاذ، ابرز حركات المعارضة في البلاد.
ففي حين استند برنامج مرسي الانتخابي إلى ما سماه «مشروع النهضة»، وهو مشروع أصبح مضرب الأمثال في الغموض، لا تستند الجبهة إلى خيارات اجتماعية مغايرة يظهر أنها تحمل مشروعاً اقتصادياً بديلاً. محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، الذي يمثل يمين الوسط، دعا قبل أيام في حوار تلفزيوني إلى ما سماه «توافقاً وطنياً حول قرض صندوق النقد الدولي»، في إشارة إلى تسهيل ائتماني بواقع 4.8 مليارات دولار يجري التفاوض عليه منذ سقوط حسني مبارك. وهو قرض يلقى غضباً شعبياً متنامياً مع بدء تسرب شروطه، ولا سيما بعد الاعلان في كانون الثاني الماضي عن تعديلات تشريعية على قوانين الضرائب تتضمن في الأساس رفع ضريبة المبيعات على عدد من السلع الاساسية بما ينذر بموجة تضخمية عاتية.
لكن مساوئ القرض لا تتوقف عند هذا الحد، اذ ان بياناً سابقاً من صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني من العام المنصرم، كشف عن اتفاق مع الحكومة المصرية على رفع يد البنك المركزي عن حماية الجنيه تحت مسمى مساندة تنافسية مصر في الأسواق الخارجية. وهو ما أدى عملياً الى تهاوي العملة المصرية في مواجهة الدولار، ما أدى إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار عدد من السلع بل وشح في السولار نتيجة تعذر استيراده، ما أدى بدوره لارتفاع اسعار خدمات النقل.
بالرغم من ذلك، فإن البرادعي، الذي تحدث في الحوار التلفزيوني باسم جبهة الانقاذ برمتها، لا حزب الدستور فقط، أبدى ميلاً للموافقة على القرض. موقف قد يبدو متسقاً من جهة مع موقف حزب الوفد اليميني المنضوي في الجبهة والمؤيد للقرض، ولا سيما أن فخري الفقي، وزير المالية في ما تسمى بـ«حكومة الظل الوفدية»، كان مساعداً للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي في التسعينيات.
كذلك هو الحال مع الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، الذي طرح نفسه وقت تأسيسه باعتباره حزباً ليسار الوسط الاقتصادي قبل أن يتحول يميناً تدريجياً بعد وفاة الاقتصادي سامر سليمان، وهو أحد اقطاب الحزب ليبزغ مكانه نجم حازم الببلاوي الاقتصادي المخضرم. والأخير تولى حقيبة المالية في حكومة عصام شرف الثانيه في تموز من العام 2011، بخلاف منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. كما تولى الببلاوي خلال شهور التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول التسهيل الائتماني بشروط، كان بينها زيادة القيمة الايجارية للأطيان الزراعية، التي لم يطرأ عليها أي تعديل منذ العام 1989 ولتدرج في زيادة الضرائب على السجائر للوصول الى المعدلات العالمية.
هذا التحول نحو اليمين بدا محتماً ربما منذ البداية كما يتضح من برنامج الحزب الاقتصادي الذي نص على «قناعة الحزب بالدور الرائد للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وبضرورة الاعتماد على آليات السوق الحر لتنشيط الانتاج ورفع كفاءته ولكن مع قيام الدولة بدورها كاملاً في الرقابة والتنظيم ومنع الاستغلال». وهي لازمة تكاد تكون متكررة في كل البرامج الاقتصادية لاحزاب اليمين التي نشأت بعد الثورة، بما فيها حزب الحرية والعدالة نفسه. وهي متكررة أيضاً في برنامج حزب المصريين الاحرار، وهو حزب كبار الرأسماليين الذي أسسه الملياردير نجيب ساويرس، والذي انضم الى جبهة الانقاذ منذ تأسيسها. اذ ينص برنامج الحزب على الايمان «باقتصاد السوق كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ويرى استهداف زيادة الثروة القومية بدلاً من إعادة توزيعها، حيث إن حجم الثروة القومية في حالة إعادة توزيعها لن يساهم في حل مشكلة الفقر في مصر».
يبقى أن التيار الشعبي الذي أسسه حمدين صباحي، والمستند الى خلفيه ناصرية، والحائز على ثالث أكبر كتلة تصويتية في الانتخابات الرئاسية الماضية، يطرح نفسه كنموذج مغاير حسبما بدا من البيان التأسيسي للتيار الشعبي.
فالتيار نص على مجموعة من الأهداف من ضمنها «ﻋدﺍﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻘوﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﺤوﻝ ﺍﺟﺘﻤﺎعي جذري، ﺃﺳﺎﺳﻪ ﻣﺸرﻭﻉ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ، ﺗﻀﻤن تكاﻓؤ ﺍﻟﻔرﺹ ﻭﻛﻔﺎﻳﺔ ﺍﻻﻧﺘﺎﺝ ﻭﻋدﺍﻟﺔ ﺍﻟﺘوﺯﻳﻊ، ﻭﺗﺤﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﺍﻟثرﻭﺓ ﺍﻟوطﻨﻴﺔ ﻣن ﺍﻟﺘﺒديد ﻭﺍﻟﻨﻬب، ﻭﺗﻀﻤن ﺍﻟﺤﻘوﻕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﺼريين». رغم ذلك، فالتيار لم يعلن عن برنامج اقتصادي إلى الآن، كما أن صباحي لم يعقّب على تصريحات البرادعي حول القرض.
الناشط في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي انضم الى جبهة الانقاذ وتواجه قياداته ضغطاً من القواعد للانسحاب، وائل جمال، أكد لـ«الأخبار» أنه «عند تصاعد الأسئلة الاقتصادية والاجتماعية لن تكون جبهة الانقاذ الوطني الحلبة المناسبة لادارة نقاش من هذا النوع أو تصدر المشهد السياسي لسبب بسيط هو أن جميع قيادات الجبهة الذين طرحوا أنفسهم كمنافسين علمانيين للإسلاميين لا يمتلكون اجابات اقتصادية مغايرة عن تلك التي طرحها الإخوان المسلمون في ما يتعلق بالاسئلة الاقتصادية». وأوضح الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن هذا الأمر يبدو واضحاً في مبادرة عمرو موسى التي دعا فيها إلى محاولة تعبئة اوروبا لدعم مصر عبر قروض ومساعدات واستثمارات، وهو ما لا يختلف شيئاً عن توجه الاخوان المسلمين». وأضاف «من وجهة نظري هذا الفقر في خيارات المعارضة الرسمية واستمرار انحيازها الاجتماعي للأغنياء دون الاستعداد حتى لدعم اية اصلاحات سينتهي بالجماهير، بعد نفاد صبرها من فصيل تلو آخر من تلك الفصائل، إلى التوجه نحو أولئك الذين لم تختبرهم، بمن فيهم السلفيون، من جهة على أقصى اليمين واليسار الراديكالي من ناحية أخرى».